للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت: نعم. قال: الحمدُ لله الذي لم يمتني حتَّى رأيتُك، فدفعَ إليَّ ألفَ دينار، وقال: صنْ هذا الكلام أنْ تقف به على أبوابِ السلاطين، ولا تمدحنَّ أحدًا مَن المخلوقين بعد مدحتك لربِّ العالمين، ولكَ عليَّ في كل سنة مثلها، ولا تعلم ابني شعيبًا فتهونَ عليه، فقلت: يرحمك الله، إن الله قد أحسن إليَّ وأنعم عليَّ، فقال: لا تردَّ عليَّ شيئًا أصلُك به، ثم قال: لا تبطئ علي، فأتيتُه في الجمعة القابلة، فقال: اذكر شيئًا، فذكرت، فبكَى كثيرًا، ودفع إليَّ خمس مئة دينار كانت تحت وسادته، فقلت: أريد الحج فقال: إذا عزمت فعد إلي، فأتيتُه فودعته، وتكلَّمت فبكَى بكاءً كثيرًا، وأعطاني ثلاثَ مئة دينار وأَربعين ثوبًا، وقال: هذه بسبب إحرامِك وأصحابك، ودفعَ إليَّ الجاريةَ التي حملت الثياب، فأخذتُها.

قال أبو نعيم: وأعطاه شعيب بن الليث ألفَ دينار إلا عشرة (١)؛ لئلَّا يساوي أباه في العطية.

وكان الرشيدُ قد حلفَ بطلاقِ زوجته زبيدة أنَّه من أهلِ الجنة، فاستفتَى فقهاءَ العراق فلم يجد عندهم فَرَجًا، فاستقدَم الليث وسألَه بمحضر من الفقهاء قال: يا أمير المؤمنين أخلني، فأخلاه، فقال: هل نهيتَ نفسك عن هواها قط؟ قال: نعم، فقرأ الليث: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (٤٠) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾ (٢) [النازعات: ٤٠ - ٤١]، فقال هارون: أحسنت، ثم أعطاهُ الأموال والتُّحف والخلع، وكان على رأس هارون خادمٌ اسمه لؤلؤ، فقال: وهذا، فأعطاه إيَّاه، وبعثت إليه زبيدة بأضعاف ذلك.

وقال سعيد الآدم: قال الليث بن سعد: اكتب لي أسامي من يلازم المسجد وليس له بضاعةٌ ولا غلة، فأخذتُ القُنْدَاق (٣) وكتبتُ فيه: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ثم قلت: فلان بن فلان، وفلان بن فلان، ولم أكتب شيئًا، ثم نمت، فأتانى آتٍ في منامي فقال: ويحك يا سعيد، تأتى إلى قومٍ عاملُوا الله سرًّا فتكشفهم لآدميّ؟ مات اللَّيث


(١) في حلية الأولياء ٧/ ٣٢٢. إلا دينارًا.
(٢) في حلية الأولياء ٧/ ٣٢٣ أنه قرأ: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (٤٦)﴾ [الرحمن: ٤٦].
(٣) القُنْداق: صحيفة الحساب. لسان العرب (قندق).