للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولقد أتانا في مقال نبيِّنا … أخبارُ قول صادق لا يكْذب

لا يستوي وغبارُ خيلِ الله في … أنف امرئٍ ودخانُ نارٍ تَلْهَب (١)

قال: فأتيتُ بالكتاب إلى الفُضيل، فقرأه وبكى، وقال: صدق أبو عبد الرَّحمنِ ونصح.

ولابن المبارك أشعارٌ كثيرة في الزُّهد والحِلم وغيرِ ذلك.

وقد مدحه عمارُ بن الحسن (٢) فقال: [من الطَّويل]

إذا سار عبدُ الله من مَرْوَ ليلةً … فقد سار عنها نورُها وجماُلها

إذا ذُكر الأخيارُ في كلِّ بلدةٍ … فهم أنجمٌ فيها وأنت هِلالُها

ذكر وفاته:

قال سعيد بن نعيم المَصِّيصي: خرج عبد الله بن المبارك من المصّيصة في شعبانَ سنةَ إحدى وثمانين ومئة، فشيّعه أبو إسحاق المزاريّ ومَخلدُ بن الحسين وعلي بن بكَّار مشاةً إلى باب الشَّام يَبْكون، ثم قدم علينا إسماعيلُ الجعفريُّ الكُوفيّ، فقال لأبي إِسحاق: شهدتُ عبدَ الله بن المبارك قد خرج من سفينةٍ بهِيت، فمات بها ليلةَ الثُّلاثاء لثلاثَ عشرةَ مَضَين من شهر رمضان، فبكى أبو إسحاقَ وعزَّاه النَّاس.

وقيل: مرض في السَّفينة ومات، وأخفى أصحابُه موتَه ليحملوه إلى مَرْوَ، فلمَّا كان نصفُ الليل، رأى أهلُ هِيتَ عمودًا من نور قد نزل من السَّماء على السفينة، فثار أهل هيت وقالوا: لا يُخرَجُ هذا الرجلُ الصالح من أرضنا، ونحن أحقّ به، لأن الله ساقه إلينا، فأَخرجوه ودفنوه بهِيت، وقبرُه ظاهرٌ يُزار.

ولمَّا احتُضر قال لنصرٍ غلامِه: ضعْ رأسي على التُّراب، فبكى، فقال: ما يُبكيك؟ فقال: ذكرتُ ما كنتَ فيه من النَّعيم، وها أَنْتَ تموت غريبًا فقيرًا، فقال: اسكُت، فإنِّي سألت الله أن يُحييَني حياةَ الأغنياءِ السُّعداء ويميتَني موتَةَ الشُّهداء، ثم فتح عينيه وضحك وقال: ﴿لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ﴾ [الصافات: ٦١].


(١) إشارة إلى قول : "لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في منخري رجل مسلم" أخرجه أَحْمد (٧٤٨٠) من حديث أبي هريرة .
(٢) في (خ): الحسين، والمثبت من تاريخ بغداد ١١/ ٤٠٢، وتهذيب الأسماء واللغات ١/ ٢٨٥، والسير ٨/ ٣٩٠، والطبقات السنية ٤/ ١٩٩.