للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومات وعُمره ثلاث وستُّون سنة. وقيل: إنَّه مات سنةَ ست وسبعين ومئة.

وجاء البريدُ إلى الرَّشيد بوفاته، فقال: مات سيِّد العلماءِ والزهَّاد، ما رأيته قطّ، ولكن أَرعى له بيتًا قاله فينا: [من البسيط]

لولا الخلافةُ ما قامت لنا سُبُلٌ … وكان أضعفُنا نَهبًا لأَقوانا (١)

يَا غلام، اِئذن للنَّاس يعزُّوني في أبي عبدِ الرَّحمن.

وكان ابنُ المبارك قد قدم بغداد، فأتاه هارونُ الرشيد للزيارة، فقعد على باب البيتِ الذي هو فيه فلم يفتحْ له الباب، وقال: أنا عنه في غنىً، فقام هارونُ وانصرف، وبعث إليه يحيى بن خالد يستأذنه في زيارته، فقال له: يَا يحيى، أَمَا يستحيى مثلُك يكون رسولَ مثله؟! ولم يأذنْ له.

وقال أبو حاتِم الفِرَبْري: رأيت ابنَ المباركِ في منامي واقفًا على باب الجنَّة وبيده مفتاح، فقلت: ما هذا؟ قال: مفتاحُ باب الجنَّة، دفعه إليَّ رسولُ الله حتَّى أزورَ الربَّ سبحانه وقال: كن أميني في السَّماء كما كنتَ أميني في الأرض (٢).

وقال صخرُ بن راشد: رأيت ابنَ المبارك في المنام، فقلت: ما فعل اللهُ بك؟ فقال: غفر لي مغفرةً أحاطت بكلِّ ذنب.

وقال صخر (٣) أَيضًا: رأيت النَّبِيّ في المنام، فقلت: يَا رسولَ الله، ما فعل اللهُ بابن المبارك؟ فقال: ﴿مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ﴾ [النساء: ٦٩] الآية.

وكان ابنُ المبارك قد طاف الدُّنيا شرقًا وغربًا، وبُعدًا وقُربًا، وأَسند عن كبار الأئمَّة، منهم: هشامُ بن عروةَ وسعيدُ بن عبد العزيز وغيرُهما، وروى عنه جمٌّ غفير.

وقال فَضَالة النَّسوي: كنَّا أصحابَ الحديث إذا اختلفنا في مسألةٍ أو في حديثٍ قلنا: مرُّوا بنا إلى الطَّبيب، يعني ابنَ المبارك، وهو أعلمُ من الثوريِّ وأفضل.


(١) البيت من قصيدة طويلة، انظر حلية الأولياء ٨/ ١٦٤، وبهجة المجالس ١/ ٢٣٢، والسير ٨/ ٤١٤، وتاريخ الإِسلام ٤/ ٨٩٦، وطبقات الشافعية الكبرى ١/ ٢٨٧.
(٢) في تاريخ الإِسلام ٤/ ٨٩٩، والسير ٨/ ٤١٩. دفعه إلى محمَّد وقال: حتى أزور الرب تعالى فكن أميني …
(٣) في تاريخ بغداد ١١/ ٤٠٩: الفريابي، بدل صخر.