للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أميرَ المؤمنين المهديّ، فقال: لستُ به، فقلت: السلامُ عليك يا أميرَ المؤمنين الهادي، قال: لستُ به، قلت: الرَّشيد؟ قال: نعم يا يعقوب، إنَّه واللهِ ما شفع فيك إليَّ أحد، غيرَ أني حَملتُ الليلةَ صبيةً لي على عنقي، فذكرتُ حملَك إيَّاي على عنقك، فرثيتُ لك من المحلِّ الذي كنتَ فيه فأخرجتُك. ثم أَكرمني وقرَّب مجلسي.

ثم إنَّ يَحْيَى بن خالدٍ تنكَر لي، كأنَّه خاف أن أَغلبَ على الرَّشيد دونه، فخفتُه، فاستأذنتُ في الحجّ، فأذن لي.

قال ابنهُ عبد الله بن يعقوب: فلم يزل مقيمًا بمكَّة حتَّى مات سنةَ اثنتين وثمانين ومئة.

وقيل: إنَّ المهديَّ سلَّم مفتاحَ البيتِ الذي كان فيه يعقوبُ محبوسًا إلى خادمٍ له، وأَوصاه ألا يُقرَّ لأحدٍ أنَّه في الحياة، فلمَّا ذكره الرَّشيدُ سأل عنه، فدُل على الخادم، فأَحضره وسأله عن يعقوب، فأَنكره، فضربه بالمَقارع، فأَقرّ، فأُخرج من المَطْمورةِ وهو أعمى.

ذِكر طرفٍ من أخباره:

كان داودُ أبو يعقوبَ وولدُه كتَّابًا لنصر بنِ سيَّار، فلمَّا قُتل يَحْيَى (١) وظهر بعد ذلك أبو مسلمٍ الخُراساني، جاءه داودُ مطمئنًا إليه، فأمَّنه أبو مسلمٍ على نفسه، ثم أخذ أموالهَ وعقارَه وما استفاده من نصرِ بن سيار.

ثم مات داود، فنظر يعقوبُ وإخوتُه فلم يجدوا لهم عند بشيء العبَّاس مكانة، فالتجؤوا إلى آلِ أبي طالب. فكان يعقوبُ يتقلَّب في الأمصار، تارةً مع إبراهيمَ بن عبدِ الله بن حسن، وتارةً مع محمَّد بن عبدِ الله بن حسنٍ، يأخذ البيعةَ لهما، فلمَّا ظهر محمَّد على المدينة واستولى عليها، كتب عليُّ بن داود -وكان أسنَّ من يعقوب- لإبراهيمَ بن عبد الله، فلمَّا قُتل محمَّد وإبراهيم، جدَّ أبو جعفرٍ في طلب آلِ داود، فأُخذ يعقوبُ وعليٌّ ابنا داودَ فحُمِلا إليه، فحبسهما في المُطْبق أيامَ خلافته، فلمَّا ولي المهديُّ مَنَّ عليهما وأَطلقهما، وكان معهما في الحبس إسحاقُ بن الفضل بنِ عبد الرَّحمن الهاشمي، وكان إسحاقُ يقول: إنَّ الخلافةَ في صالحي بني هاشم، وهي للأكبرِ من ولد عبد المطَّلب، وإنَّه أحقُّ بها من المهديّ، فحبسه.


(١) هو يَحْيَى بن زيد بن علي بن الحسين . انظر تاريخ الطبري ٨/ ١٥٤، وتاريخ الإسلام ٤/ ٢٧٧.