للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان الحسنُ بن إبراهيمَ بنِ عبد الله وعيسى بن زيدٍ قد هربا من المهديّ وبطلبهما، فقال المهديّ: لو وجدتُ كان يدخل بيني وبينهما، فقيلَ له: هذا يعقوبُ بن داود خصيصٌ بآل أبي طالب، فاستدعاه فكلَّمه، فرآه كاملًا، فسأله عن [الحسن] بن (١) إبراهيمَ وعيسى، فوعده أن يدخلَ بينهما، وقال: عَدِّ عن ذِكرهما فإنَّهما قد خافاك. فاستوزره المهديُّ وفوَّض إليه أمورَه، وحجَّ المهدي، فتلطَّف يعقوبُ حتَّى جمع بينه وبين الحسنِ بن إبراهيم، فسُرَّ به وأعطاه مالًا وأَقطعه قطائع.

وقيل: إنَّه حبسه بعد ذلك، وبعث يعقوبُ إلى الزَّيدية، فجاؤوه كان الأقطار، فولَّاهم الولاياتِ الجليلة، وكان قد غلب على المهديّ بحيث إنَّه خلِّد في الدواوين توقيعٌ باسمه فيه أنَّه أخو أميرِ المؤمنين، فلمَّا استولى يعقوبُ وجمع الزيديةَ وولَّاهم الدّنيا، حسده الموالي وشنَّعوا عليه عند المهديِّ وغيَّروه عليه، وكان لمَّا سلَّم الحسنَ بن إبراهيم إلى المهدي، تغيَّرت عليه الزيدية وقالوا: إنَّما فعل ذلك تقرُّبًا إلى المهديّ، وكثرت عليه الشَّناعات أنَّه يريد أن يولِّي الخلافةَ إسحاقَ بن الفضل الهاشميّ، وقيل للمهدي: لا تأمنْ أن تثورَ النَّاسُ عليك في ساعةٍ واحدة.

ودخل يعقوبُ يومًا على المهديّ فقال: يا أميرَ المؤمنين، إنَّك أمرتني أن ألتمسَ لك رجلًا تولِّيه مصر، وما أرى غيرَ إسحاقَ بن الفضل، فتغيَّر وجهُ المهدي، وقام يعقوبُ فخرج، فأَتبعه المهديُّ بصرَه وقال: قتلني اللهُ إن لم أقتلْك. وما زال الموالي يسعَون به إلى المهديِّ حتى نكبه.

وكان المهديُّ قد بنى قصرًا بعيساباذَ أنفق عليه خمسين ألفَ ألفِ درهم، فقال يعقوب: أَتلفَ هذه الجملةَ من بيت المالِ لا لفائدةٍ إلَّا اللَّعب (٢). وبلغ المهديَّ فازداد حَنَقًا.

وقيل: إنَّ يعقوبَ أَنكر على المهدي [، وكان المهدي] لا يشرب النبيذَ لأنَّ مزاجَه لم يكن يقبله، فكان يُحضر النُّدماء فيشربون بين يديه، فقال يعقوب: ما على هذا وَزَرتُ لك، أَبعدَ الصلواتِ الخمسِ في المساجد وقراءةِ القرآن يُشرب النبيذ بين


(١) زيادة من تاريخ الطبري ٨/ ١٥٦.
(٢) في الطبري ٨/ ١٥٧ أن قائل ذلك أحمد بن إسماعيل بن علي، وأن الهدي نسي ذلك وظن القائل يعقوب.