للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأُخرج منه العلويُّ والرِّجال والمال، فأُسقط في يدي، فقال: قد أباح اللهُ لي دمَك، ولكن لا أُريقه، إلَّا أنني أَحبسك حبسَ الأبد، فحفر لي في المُطْبَق بئرًا وأُلقيت فيها، وأقمتُ مدَّة لا أدري ما النَّاسُ فيه، وذهب بصري.

وبلغ المهديّ أنَّ إسحاقَ بن الفضل بنِ عبد الرَّحمن الهاشميَّ يقول: أنا أحقُّ بالخلافة من المهديّ، فاستدعاه المهديُّ من المطبق وقال: تزعم أنَّكم الكُبْرُ من ولد عبدِ المطلب لأنَّ أباكم الحارثَ كان أكبرَ ولد عبدِ المطلب، فقال: إنْ صحَّ هذا عنِّي فاقتلني، فقال: حكاه لي عنك يعقوبُ بن داود. قال إسحاق: وقد بلغني أنَّ يعقوبَ قُتل في الحبس، فقلت: إنْ قال يعقوبُ هذا عنِّي فاقتلني، فأُحضر يعقوبُ في الحال، فلمَّا رأيته مقيَّدًا مكبَّلًا بالحديد أَيقنت بالقتل، ولم أشكَّ أن يَبهتني لعله يَخلص. فقال له: يا يعقوب، ألستَ القائلَ عن إسحاق كذا وكذا؟ قال: لا واللهِ ما قلت قطّ، قال: بلى، قال: لا والله، فغضب المهديّ، فقال يعقوب: يا أميرَ المؤمنين، الأمرُ على خلاف هذا، أَتذكر يومَ شاورتَني مَن تولِّي مصرَ فأشرتُ عليك بإسحاقَ فقلتَ: ذاك يزعم أنَّه أَولَى بالخلافة مني. وقد كان مباركٌ التركيُّ حاضرًا، فسأله فتذكَّر المهديُّ ذلك، فقال: صدقت.

وأقبل المهديُّ على يعقوبَ يوبِّخه ويعدِّد أفعالهَ، فقال: يا أميرَ المؤمنين، اُذكر إذ أعطيتَني عهدَ اللهِ وميثاقَه وذمَّةَ الله ورسولهِ وذمةَ آبائك أنَّك لا تؤذيني ولا تحبسني ولو قتلتُ موسى وهارون، فقال: يا يعقوب، قال: لبَّيك يا أمير المؤمنين تلبيةَ مَكروبٍ لمَوْجِدَتِك، [قال:] أَلم أرفعْ من قَدرك إذ كنتَ وضيعًا؟ وأنوِّه بِذكرك إذ كنت خاملًا؟ فقال: إنْ كانت عقوبتي منك فبذنب مُعْتَرِف، وإن كانت من تخرُّص الوُشاة فالعبدُ عائذٌ بفضل مولاه، فقال: لولا سابقُ خدمتِك لأَلبستُك قميصًا من دمك لا تشدُّ عليه زِرًا. ثم أَمر بإِعادته إلى حبسه، فانصرف وهو يقول: الوفاءُ كرم، والمودَّة رَحِم، وأنتَ يا أميرَ المؤمنين بهما جدير (١).

وقيل: إنَّه قال له: يا يعقوب، أَلم تُخبرني أنَّ هذا وأهل بيته يزعمون أنَّهم أحقُّ


(١) العقد الفريد ٢/ ١٤٧ - ١٤٨، وما بين حاصرتين منه.