للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فدخل، ثم قال: اُدخلوا جميعًا، فدخلنا فسلَّمنا وأَخذنا مجالسَنا، فقال للربيع: دواةً وما يكتبون فيه، فوضع الربيعُ بين أيدي كل واحدٍ منا دواةً وورقًا، ثم التفت إلى عبد الصَّمد به. عليّ فقال: يا عمّ، حدِّث ولدك وإخوتَك وبني أخيك بحديث "البِرُّ والصِّلة لَيُطيلان الأَعمارَ، وَيعْمُران الدِّيار، ويُثريان الأموال، ولو كان القومُ فجَّارًا" (١).

ثم قال أبو جعفر: يا عمّ، الحديثَ الآخرَ. فقال عبدُ الصَّمد: حدَّثني أبي، عن جدِّي عبدِ الله بن عباس قال: قال رسولُ اللهِ : "البِرُّ والصِّلة لَيخفِّفان سوءَ الحسابِ يومَ القيامة" ثم تلا رسولُ اللهِ : ﴿وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ﴾ [الرعد: ٢١].

فقال المنصور: يا عمّ، الحديثَ الآخر، فقال عبدُ الصَّمد: حدَّثني أبي، عن جدِّي عبدِ الله بن عبَّاس، عن النَّبيِّ قال: "كان في بني إِسرائيلَ مَلِكان أَخوان على مدينتين، وكان أحدُهما بارًّا برَحِمه عادلًا على رعيَّته، وكان الآخَر عاقًّا برَحِمه جائرًا على رعيَّته، وكان في عصرهما نبيّ، فأَوحى اللهُ إلى ذلك النَّبيُّ أنَّه قد بقي من عُمر هذا البارِّ ثلاثُ سنين، وبقي من عُمر هذا العاقِّ ثلاثون قال: فأَخبر النبيُّ رعيةَ هذا ورعيةَ هذا، فأَحزن ذلك رَعية العادل، وأحزن ذلك رعيةَ الجائر قال: ففرَّقوا بين الأطفالِ والأمَّهات، وتركوا الطعامَ والشراب، وخرجوا إلى الصَّحراء يدعون اللهَ تعالى أن يمتِّعَهم بالعادل ويزيلَ عنهم الجائر، فأَقاموا ثلاثًا، فأَوحى اللهُ إلى ذلك النبيِّ أنْ أَخبِر عبادي أنِّي قد رحمتهم وأَجبتُ دعاءهم، فجعلتُ ما بقي من عُمر البارِّ لذلك الجائرِ، وما بقي من عمر الجائرِ لهذا البارّ قال: فرجعوا إلى بيوتهم، ومات العاقُّ لتمام ثلاثِ سنين، وبقي العادلُ ثلاثين سنةً فيهم" ثم تلا رسولُ اللهِ : ﴿وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إلا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ (٢) [فاطر: ١١].

ثم التفت المنصورُ إلى جعفرِ بن محمَّد فقال: يا أبا عبدِ الله، حدِّث بني عمِّك وأخوتَك بحديث أميرِ المؤمنين عليٍّ عن النبيِّ في البِرِّ والصِّلة، فقال جعفر:


(١) الكلام هنا مختصر، وفي تاريخ بغداد ٢/ ٢٦٨، وتاريخ دمشق ١٠/ ٣٣٧، والمنتظم ٩/ ١٠٦: فقال عبد الصَّمد بن علي: حدثني أبي، عن جدِّي، عن عبد الله بن عباس ، عن النبي … إلخ.
(٢) عبد الصَّمد راوي هذه الأحاديث قال عنه الذهبي في الميزان ٢/ ٦٢٠: ما عبد الصَّمد بحجة، ولعلَّ الحفَّاظ إنَّما سكتوا عنه مداراة للدولة.