وكان يقول: إني لأَعصي الله فأَعرف ذلك في خُلُق حماري وخادمي.
ذِكرُ عبادته رحمةُ اللهِ عليه:
كان يُلقَى له حَصيرٌ باللَّيل في مسجد، فيصلِّي ويغلبه النَّوم، فينام ساعة، ثم يقوم فيتوضَّا ويصلِّي، فيغلبه النّوم، فيتوضَّأ ويصلِّي، فلا يزال كذلك حتى يُصبح. وكان يختم القرآنَ في كل ليلة.
ذِكر قصَته مع هارونَ الرشيد (١):
قال الفضلُ بن الرَّبيع: حجَّ أميرُ المؤمنين، فأتاني، فخرجتُ إليه مُسْرعًا وقلت: يا أميرَ المؤمنين، لو أرسلتَ إليَّ لأَتيتُك، فقال: ويحَك يا عبَّاسي، قد دخل في نفسي شيءٌ لا يُخرجه من قلبي إلَّا عالمٌ بالله، فالتمسْ في رجلًا أسأله، فقلت: ها هنا سفيانُ بن عُيينة، فقال: امضِ بنا إليه، فأتيناه، فقرعتُ بابه، فقال: مَن ذا؟ قلت: أَجِب أميرَ المؤمنين، فخرج مُسْرعًا فقال: يا أميرَ المؤمنين، لو أرسلتَ إليَّ لأَتيتك، فقال له: خُذْ لِمَا جئناك له رحمك الله. فحدَّثه ساعةً ثم قال له: عليك دَين؟ قال: نعم، فقال لي: يا عباسيُّ اقضِ دَينَه.
فلمَّا خرجنا قال: ما أَغنى عني صاحبُك شيئًا، ولم يُزِل عن قلبي مما حلَّ فيه قليلًا ولا كثيرًا، فانظر لي رجلًا أسألُه، فقلت: هاهنا الفضيلُ بن عياض، فقال: امضِ بنا إليه، فأتيناه فإذا به قائمٌ يصلَي في غرفةٍ له، يتلو آيةً من كتاب اللهِ يردِّدها ويبكي، فقرعتُ الباب، فقال: مَن هذا؟ قلت: أَجِب أميرَ المؤمنين؟! فقال: ما لي ولأمير المؤمنين؟! فقلت: سبحان الله! أَمَا عليك طاعة؟! فنزل ففتح الباب، ثمَّ ارتقَى إلى الغرفة فأَطفأَ المصباح، ثم التجأَ إلى زاوبةٍ من زوايا الببت، فدخلنا، فجعلنا نجولُ عليه بأيدينا، فسبَقَتْ يدُ هارونَ إليه قبل كفِّي، فقال: ما أَلينَها من كفٍّ إنْ نجت غدًا من عذابِ الله! فقلتُ في نفسي: لَيكلِّمنَّه الليلةَ بكلامٍ نقيٍّ من قلبٍ نقيّ.
فقال له: خذ لِمَا جئناك له يرحمك الله، فقال الفضيل: إنَّ عمر بنَ عبدِ العزيز لمَّا ولي الخلافةَ، دعا سالمَ بن عبدِ الله بن عمرَ ومحمَّد بن كعب القُرَظيَّ ورَجاءَ بن حَيوةَ