ولكنه سيّدُ الماءِ يومئذ. وأما مقاتل فإنه قال: كان شعيب قد مات ودفن بين المقام وزمزم، وإنما هذا يثرون ابن أخي شعيب. قال: وقيل: اسمه يثربي.
فلما سمع موسى كلامهما رحمهما، فاقتلع صخرةً من على رأس بئر أخرى بقرب تلك البئر لا يطيق رفعها إلا جماعة من الرجال، ﴿فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ﴾ أي: إلى ظلِّ شجرة ﴿فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ [القصص: ٢٤] والخير: الطعام، وهو في القرآن على وجوه: أحدها: الطعام، وقال الفراء: الخير اسم لكلِّ ممدوح، والشرُّ اسم لكل مذموم.
وقال ابن عباس: لقد قال موسى: ﴿رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ وإن بطنه قد لصق بظهره، وإنه لأحوجُ الناس إلى شِقِّ تمرةٍ، وإن خضرة البقل لتبين من باطن بطنه، وإنه لأكرمُ خلقِ الله وما أحد على وجه الأرض أعزُّ منه عند الله.
فلما رجعتا إلى أبيهما رأى الأغنام وهي حُفَّل، فقال: ما أعجلكما، قالتا: وجدنا رجلًا صالحًا رحمنا فسقى لنا، فقال لإحداهما: اذهبي فادعيه لي، فأتته ﴿تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ﴾ مستترة بكمِّ درعها، وقد سترت وجهها بيدها، فقالت: ﴿إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا﴾ [القصص: ٢٥] فتبعها. قال مطرف بن عبد الله: لو كان عند نبيِّ الله شيءٌ ما تبعها، ولكن حمله على ذلك الجهد.
وسئل سفيان بن عيينة فقيل له: الرجلُ يعمل العمل لله يؤذِّن أو يؤمُّ أو يعين أخاه، فيعطى الشيء فيقبله، قال: نعم، ألا ترى أنَّ موسى ﵇ لم يعمل للعمالة، وإنه عمل لله تعالى فعرض له رزق من الله فقبله، ثم قرأ: ﴿إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا﴾.
وقال وهب: فمشى وهي بين يديه، فهبت الريح فعطفت ثوبها على ردفها، فقال لها: امشي خلفي فإننا لا ننظر إلى أعجاز النساء ﴿فَلَمَّا جَاءَهُ﴾ يعني شعيبًا ﴿وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [القصص: ٢٥] يعني فرعون وقومَهُ، أي: لا سلطانَ له على أرضنا.
﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ﴾ ليرعى أغنامنا ﴿إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ [القصص: ٢٦] قال لها: وما علمك بقوَّته وأمانته؟ قالت: قَلْعُهُ صخرةً لا