للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقلعها إلا جماعة من الرجال، وأما أمانته فإنَّ الريح هبَّتْ بثوبي فقال لي: كوني خلفي. فحيئذ ﴿قَالَ﴾ له ﴿إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ﴾ الآية. قال وهب: واسم الكبرى صفورا، والصغرى عبورا. وقال جدي في "التبصرة": صفورا وليا (١). ﴿عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ﴾ [القصص: ٢٧] أن تكون أجيري ثماني سنين، وفي حديث أبي ذرٍّ عن النبيِّ أنه قال: "تَزوجَ الصُّغرَى مِنهُما، وهي التي قَالت يا أَبتِ، استأجِرهُ" (٢).

قلت: وقد كان في شرعهم تزويج المرأة على رعي الغنم جائز، وكذا عندنا لأنه من باب القيام بمصالح الزوجة، وكذا لو تزوجها على زراعة أرضها، وفيه خلاف، ذكرناه في "شرح الجامع الصغير". وأصل المسألة: رجل تزوج امرأة على خدمة سنة والزوجُ حرٌّ، جاز النكاح ولا تكون الخدمة صداقًا، ولها مهر المثل عند أبي حنيفة، وقال محمد: لها فيه خدمة سنة، ولم يذكر في "الأصل" قول أبي يوسف، وقيل: هو مع محمد، وقيل: مع أبي حنيفة؛ وقال مالك والشافعي: لها خدمة سنة. وعن أحمد كالمذهبين. فالحاصل: أن محمدًا يقول: استخدام الحرة زوجها حرام، فوجب الرجوع إلى القيمة كما لو تزوجها على عبدٍ فاستحق العبد. والشافعي يقول: لو تزوجها على رعي غنمها أو زراعة أرضها جاز كذا هذا. وأبو حنيفة يقول: استخدام المرأة زوجها إذلالٌ له وهوانٌ لأنه قوَّامٌ عليها، فصار كما لو سمَّى ما لا قيمة له، فإنه يجب مهر المثل. وأما في رعي الغنم وزراعة الأرض، ففي "الأصل" لا يصحُّ قياسًا على الخدمة وعلى التسليم، فهو من باب القيام بمصالحها كما ذكرنا. وقد بسطنا القول في هذا في "شرح الجامع الصغير".

وقوله: ﴿سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [القصص: ٢٧] أي: في الصحبة ﴿قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ﴾ [القصص: ٢٨] أي: العشر أو الثمان، فليس لك أن تطالبني بأكثر من ذلك فتتعدَّى عليَّ ﴿وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ﴾ أي: شهيد.

وقال وهب: ثم أمر شعيب ابنته أن تدفع إلى موسى عصا يدفع بها عنه وعن غنمه السباع، فدفعت إليه عصا، واختلفوا فيها:


(١) "التبصرة" ١/ ٢١٩.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٩/ ٢٩٦٦. وابن عساكر في "تاريخه" ٦١/ ٢٩.