للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأعطاه الفضلُ مالًا عظيمًا، ففرَّقه في الشعراء، وبعث منه إلى أبي نُواسٍ بدرهم واحدٍ ناقص، فقيل له في ذلك، فقال: أعطيت كلَّ واحد على قَدْر شعره، وبلغ أبا نُواس فهجاه، وكان قصيرًا طويلَ اللحية كبيرَ الأنف: [من الخفيف]

كان أَوْلى بقلَّة الحظِّ مني … المسمَّى بالجُلْجُل الصيَّاحِ

لِحيةٌ جَعْدة وأنفٌ طويل … وسوى ذاك ذاهبٌ في الرّياح

باردُ القولِ مظلمُ القلبِ تيَّا … هٌ معيدُ الحديثِ (١) سَمجُ المُزاح

فبعث إليه أَبانٌ بألف درهمٍ وقال: لا تُظهرْها، فقال: واللهِ لو أعطاني مئةَ ألف درهمٍ ما أخفيتُها، ولا بدَّ من إِظهارها، وبلغ الفضلَ فقال: أعطيناه ألفَ ألفِ درهم، فكان حظُّ أبي نُواسٍ منها أقلَّ من درهمٍ مع طول لسانه! فقيل له: كذب عليه، فقال: أليس قد قيل؟! وقد رماه بخمسٍ لا يتَّصف بواحدةٍ منها إلا جاهل، يعني البيتَ الأخير، وأَبعده عنه.

ذِكر وفاته:

لمَّا عزم الرشيدُ على خراسان، أَحضر الفضلَ بالرقَّة من الحبس وقال له: ويحك يا فضل، لقد كسبتْ يداك شرًّا طويلًا، وجنى عليك جهلُك (٢) عذابًا وبيلًا، ﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ [هود: ١٠١] فقال له: قتلتَ أخي، ومات أبي في حبسك، وأنا على الأَثر، مع تعزيزِنا لسلطانك، وتشييدِنا لملكك، وبراءةِ ساحتنا، وسترد فتَعلم، وتندم حيث لا ينفعك النَّدم. فردَّه إلى الحبس، فمات في رمضان قبل موتِ هارونَ بشهور.

وقيل: مات سنةَ ثلاثٍ وتسعين في المحرَّم قبل موتِ الرشيد بيسير، أصابه ثِقَلٌ في لسانه وشفتِه، وقلَّ نظره. وكان يقول: ما أحبُّ أن يموتَ هارون؛ فإنَّ أمري يَقربُ من أمره (٣). وكانت وفاتُه يومَ السبت، فأُخرجت جنازتُه، فكان يومًا عظيمًا، بكى الناسُ


(١) في (خ): تيهًا يقبل الحديث. ولا يستقيم به الوزن. والمثبت من العقد الفريد وطبقات ابن المعتز ص ٢٠٤.
(٢) في (خ): جهلًا، ولعله سبق قلم.
(٣) كذا في تاريخ الطبري ٨/ ٣٤١، وابن الأثير ٦/ ٢١٠، وفي وفيات الأعيان ٤/ ٣٦ أن القائل هو الرشيد، قاله عندما بلغه موته.