للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال الأصمعي: خاطبتُ هارونَ يومًا مخاطبةَ مُدِلّ، فقال لي: يا عبدَ الملك، الدالَّة تُفسد الحُرمة، وتُسقط المنزلة.

وقال المُفَضَّل الضَّبِّي: استدعاني هارونُ يومًا، فدخلتُ عليه، والأمينُ جالس عن يمينه والمأمونُ عن شماله والكسائيُّ عنده، فقال: يا مفضَّل، كم في قوله تعالى: ﴿فَسَيَكفِيكَهُمُ اللهُ﴾ [البقرة: ١٣٧] اسم؟ فقلت: ثلاثةُ أسام: الكافُ لرسول اللهِ ، والهاءُ والميمُ للكفار، والياء، وهي لله تعالى. فقال: صدقتَ يا مفضَّل، هكذا أفادنا هذا الشيخ، يعني الكِسائي. ثم قال: يا مفضَّل سَلْ، فقلت: ما معنى قولِ الفرزدق:

أَخَذْنا بآفاق السَّماءِ عليكمُ … لنا قَمراها والنُّجومُ الطَّوالِعُ (١)

فقال: أراد بقوله: لنا قمراها، أي: الشمس والقمر، كما قالوا: سنَّة العُمَرَين [: سُنَّةَ أبي بكر وعمر] (٢). قال المفضَّل: فلمَ استحسنوا هذا؟ يعني قولَهم: سنَّة العُمَرين، فقال: لأنَّه متى اجتمع شيئان من جنسٍ واحد وكان أحدُهما أخفَّ على اللسان، غلَّبوه وسمَّوا الثانيَ باسمه، ولمَّا كانت أيامُ عمرَ أكثرَ من أيام أبي بكرٍ، وفتوحُه أكثَر، واسمُه أخفَّ، غلَّبوه وسمَّوا أبا بكرٍ باسمه. وقال: وأمر لي بمئتَي ألفِ درهم.

وقد اختلفوا في قولهم: سيرةُ العمرين، قال معاذٌ الهَرَّاء: لقد قيل: سيرةُ العمرين قبل عمرَ بن عبدِ العزيز؛ لأنَّهم قالوا لعثمانَ يومَ الدار: نسألك سيرةَ العمرين. وسُئل قتادةُ عن عتق أمَّهات الأولاد [فقال: أَعتق العُمَرَان فما بينهما من الخلفاءِ أمهاتِ الأولاد] (٣). ففي قول قتادةَ أنَّه عمر بن الخطاب وعمرُ بن عبد العزيز؛ لأنَّه لم يكن بين أبي بكرٍ وعمرَ رضوانُ الله عليهما خليفة.

وقال الفضلُ بن الربيع: أحضر هارونُ رجلًا ليولِّيَه القضاء، فقال له: ما أنا فقيه، فقال: فيك ثلاثُ خصال: شرف، والشرفُ يمنع صاحبَه من الدَّناءة، ولك حِلم، وهو يمنعك من العَجَلَة والسَّفَه، ومَن لم يعجل ولم يَسفَه قلَّ خطؤه، وأنت رجلٌ تشاور في


(١) الديوان ١/ ٤١٩.
(٢) ما بين معكوفين من تاريخ الطبري ٨/ ٣٦١.
(٣) ما بين حاصرتين من إصلاح المنطق ص ٤٤٥.