أمرك، ومَن شاور كثر صوابه، وأمَّا الفقه؛ فسنضمُّ إليك رجلًا تتفقَّه به. ثم ولَّاه، فلم يجدْ فيه مَطْعَنًا.
وجاء رجلٌ يومًا يطلب من الرشيد حاجة، فوافاه وهو يصلِّي ويتضرَّع ويدعو اللهَ تعالى، فخرج الرجلُ وكان قد لَمَحه، فلما سلَّم قال: عليَّ بالرجل، فجيء به، فقال: ما الَّذي أتى بك، وما الَّذي أَعجَلَك؟ قال: جئتُك في حاجة، فوجدتك تسأل غيرَك وتتضرَّع إليه، فقلت: كلُّنا في هذا سواء، وما لي لا أسأل مَن يسأله هذا! فانصرفت لأسألَ الَّذي سألتَه. فبكى هارونُ وسأله عن حاجته، فامتنع الرجلُ من ذِكرها، فقال: لا بدّ، فأَخبره، فقضاها له.
ودخل عليه ابنُ السمَّاك يومًا وهو يأكل بملعقة فضَّة فقال: أُخبرنا عن جدِّك عبدِ الله بن عباسٍ في تفسير قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ [الإسراء: ٧٠]. أنَّه أكلُ الرجلِ بيده. فرمى هارونُ بالملعقة وأكل بيده.
[وقال إسحاقُ الموصلي: ما رأى أحدٌ هارونَ يشرب النَّبيذ، وإنما كان يجلس من وراء السِّتارة. وهو أوَّل مَن رتَّب المغنِّين والندماءَ طبقاتٍ ومنازل.
ذِكر قصَّته مع الشيخ الأموي:
ذكرها القاضي التنوخيُّ شيخ الخطيبِ في كتاب "الفرج بعد الشدَّة"(١) مطوَّلةً، وقد اختصرتُها، فقال التَّنوخي:] رُفع إلى هارونَ أنَّ رجلًا بدمشقَ من بقايا أولادِ الخلفاءِ بني أمية، رفيعَ القدر، عظيمَ الجاه، كثيرَ المال والأولادِ والغلمان، يركبون الخيل، ويحملون السَّلاح، ويغزون الروم، وهو في حالٍ يضاهي بها الخلفاءَ والأمراء، جَوَادًا سخيًّا، كثيرَ الصنائع، وافرَ العطاء، [وكتب أصحاب الأخبار إلى هارون أنَّه] لا يؤمَن منه فَتْقٌ يتعذَّر رَتْقُه، وهارونُ يومئذٍ بالكوفة.
قال منارةُ صاحبُ الخلفاء: فدعاني [هارون] وقال لي. يا منارة، قد كثَّر عليَّ أصحابُ الأخبار أنَّ بدمشقَ رجلًا من صفته كذا وكذا، وقد أهمَّني أمره، وقد نَدَبْتُك إليه، فانظر كيف تكون، فإنِّي قد مُنعت النوم، فاخرج الساعةَ على البريد، وخذ هذه القيود، فإذا نزلتَ بالرَّجل، فقيِّده واحمله إليّ، وإنْ أبى، فهذا كتابٌ إلى عامل دمشقَ