للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مقام رجل من الأبدال:

حكى الفضلُ بن الربيع قال:] (١) خرج خادمٌ من دار سليمانَ بنِ أبي جعفرٍ المنصورِ وبيده عودٌ ليدخلَ به دار هارونَ لجاريةٍ لسليمان، فمرَّ على شيخ يلقط النَّوى، فكسر العود، وتعلَّق به الخادم، وبلغ هارونَ فقال: اقتلوه، فقال له سليمان: ألَا تسمع كلامه (٢)؟ فقال: أَحضِروه، فدخل وفي يده كيسٌ فيه نوًى يلتقطه ويتقوَّت بثمنه (٣)، فقال له هارون: ما حملك على ما صنعت؟ فقال: رأيتُ منكرًا فغيَّرته، وأنت وآباؤك تقولون على المنابر: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ﴾ [النحل: ٩٠] الآية، وقد قال : "مَن رأى منكرًا فليُزِلْه .. " (٤) الحديثَ، فهابه هارونُ ولم يكلِّمه، فقام الرجلُ وخرج، فقال هارون للخادم: الحقه بِبَدرة (٥)، فلحقه بها، فقال: قل له يردُّها على من أخذها منه، ثم ولَّى وهو يقول: [من الوافر]

أرى الدُّنيا لمن هي في يديهِ … بلاءً كلَّما كَثُرت لديهِ

تُهين المُكرِمين لها بصُغرٍ … وتُكرم كلَّ مَن هانت عليه

إذا استغنيتَ عن شيءٍ فدعْهُ … وخذ ما أنت محتاجٌ إليه (٦)

ذِكر مقامات الشُّعراء بين يديه:

قال أحمد بن سيَّار الجُرْجاني: دخلت أنا وأبو محمَّد التيميُّ (٧) وابن رَزين الخُزاعي (٨) وأشجعُ بن عمرٍو السُّلَميّ (٩) على الرشيد بالرقَّة وهو في القصر الأبيض، وقد ضرب أعناقَ قومٍ في تلك الساعة، فتخلَّلنا الدمَ حتَّى صرنا إليه، فأنشده أشجع:


(١) في (خ): وقال الفضل بن الربيع، والمثبت من (ب).
(٢) في إحياء علوم الدين ٢/ ٣١٦ أن هارون هو الَّذي تمهل بأمره وطلب مناظرته.
(٣) في (خ): به وبثمنه، والمثبت من (ب)، وانظر الإحياء.
(٤) أخرجه مسلم (٤٩) من حديث أبي سعيد الخدري بلفظ: "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده … " ولم نقف عليه بلفظ: فليزله.
(٥) البدرة: عشرة آلاف درهم. مختار الصحاح (بدر).
(٦) الأبيات لأبي العتاهية، وهي في ديوانه ص ٤١٠ - ٤١١، ومن هنا إلى ص ٢٠٤ ليس في (ب).
(٧) في (خ): التميمي، والمثبت من مجالس ثعلب ص ٣٧٩، والأغاني ١٨/ ٢١٤.
(٨) كذا في (خ) ونسخة من الأغاني، وفي مطبوعه: الخراساني، وفي مجالس ثعلب: الحراني.
(٩) في (خ): الأسلمي. وهو خطأ.