للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فارمِ به فيه وطُمَّه بالتراب، وليكن معك فلانٌ الحاجب، فجاء الخادمُ ففتح الحُجرة، وإذا فيها غلامٌ كأنه الشمسُ الطالعة، فجذَبَه جَذْبًا عَنيفًا، فقال له: اتَّقِ اللهَ في دمي؛ فإني ابنُ رسولِ الله ، فاللهَ اللهَ أن تلقى الله بدمي. فلم يلتفت إليه، فأخرجه إلى الصَّحراء ومعه الحاجب، وجاء به إلى القَليب المحفور، فلمَّا أيقن الغلامُ بالتلف قال: دعْني أصلِّ ركعتين، قال: صلِّ، فصلَّى ومجَّد وقال: يا خفيَّ اللُّطف، أَغثني في وقتي هذا والْطُف بي بلُطفك الخَفيّ.

قال الخادم: فواللهِ ما استتمَّ حتَّى هبَّت ريحٌ عاصف أَلقتنا على وجوهنا، وكدنا نَتْلَف، واشتَغَلْنا بحالنا عن الغلام، ثم سكنت الريحُ وظهرت الكواكب، وطلبنا الغلامَ فلم نجده، ورأينا قيودَه مُلْقاة، فقال الحاجب: هلكنا، سيقع له أنَّا أطلقناه، وإنْ حَلَفنا له لم يصدِّقنا، ولكنَّ الصدقَ أَنجى، فجاء الخادمُ والحاجب فدخلا على هارون، فقال: فعلتما ما أمرتكما؟ فحدَّثاه الحديث، فقال: لقد تداركه اللُّطفُ الخَفيّ، لأَجعلنَّها في مُقدِّمات دعائي.

حديث الحكماء:

قال إسحاقُ المَوْصِليّ: اجتمع عند هارونَ أربعةٌ من الحكماء: عراقي، ورومي، وهندي، ويوناني. فقال لهم: ما الدواءُ الَّذي لا داءَ معه؟ فقال العراقي: حَبُّ الرَّشاد الأشقر، وقال الرومي: الماء الحارّ، وقال الهندي: الإهلِيلَج (١) الأسود. فقال اليوناني -وكان أطبَّهم-. حَبُّ الرشاد يولِّد الرطوبَة في المَعدة، والماء الحارُّ يُرخيها، والإِهلِيلَج الأسود يُرِقُّها، ولكن الدواءَ الَّذي لا داء معه أن تقعدَ على الطعام وأنت تشتهيه].

ذِكر وفاة الرشيد:

[واختلفوا فيها] (٢) فقال الفضلُ بن الربيع: نَغِلَ (٣) جسمُه من النِّقابات (٤) التي كانت


(١) في (ب): الهليلج. وتقدم في الصفحة ١٥٣.
(٢) ما بين حاصرتين من (ب).
(٣) أي: فسد. مختار الصحاح (نغل).
(٤) النَّقْب: قرحة تخرج وفي الجنب، والجَرَب، أو القطع المتفرقة منه. القاموس المحيط (نقب).