للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شقيق، ليس الشأنُ في أكل الشعير، ولا في لُبس الصوف، إنما الشأنُ في المعرفة، وأن تعبدَ الله خالصًا، ثم قرأ: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا﴾ [الكهف: ١١٠] الآية. وفي رواية: يا شقيق، إنَّما الشأن في معرفة الله، فاعبده ولا تشركْ به شيئًا، ثم كن راضيًا عنه، ثم كن أوثقَ بما في يديه من يد المخلوقين.

وقال السُّلمي: قال شقيق: لقيت سفيانَ الثوريَّ وأخذت لباس الدُّون منه، كان عليه إزارٌ قدرَ أربعة أذرع، ثمنه أربعةُ دراهم، إذا جلس جلس متربعًا (١) مخافةَ أن تبدوَ عورته، وأخذت الخشوعَ من إسرائيلَ بنِ يونس، كان لا يعرف يمينَه من شِماله، ولا تُذكَر الدنيا بين يديه، وأخذت التقلُّل من ورقاءَ بنِ عمرَ المدائني، كان يسمع عليه تفسير القرآن، فيتغدَّى بخبز الشعيرِ والخلِّ والزيت، وأخذت الزهدَ من عبَّاد بن كثير، كان يدخل بيته وفيه القدور تغلي بالحامِض والحلو، فأنكرت ذلك، فقال لي خادمٌ له: واللهِ إنَّه منذ سبعِ سنين لم يأكل لحمًا، وإنما يُطعم هذه القدورَ الفقراءَ والمساكين والزَّمنى ومَن لا حيلة له، وأخذت التوكُّل من إبراهيمَ بن أدهم، كان يُهدَى إليه الشيءُ فيتصدَّق به، فيقال له: هلَّا ادَّخرت منه شيئًا لإفطارنا، فيقول: أَمَا تخافون من عقوبة المولى، لطول آمالكم وسوء ظنِّكم بربِّكم؟! فثقوا به وأَحسِنوا الظنّ، فما عندكم يَنفَد وما عند اللهِ باق، وأخذت الفقهَ من زُفرَ (٢) بن الهُذَيل، ما ناظره أحدٌ إلا رحمناه.

وحكى أبو نُعيمٍ (٣) عن حاتم الأصمِّ قال: كنَّا مع شقيقٍ في مصافِّ الترك، في يومٍ لا أرى فيه إلَّا رؤوسًا تَندُر (٤) وسيوفًا تقطع، فقال لي ونحن بين الصفَّين: يا حاتم، كيف ترى نفسَك في هذا اليوم؟ مثلَ الليلة التي زُفَّت فيها إليك امرأتُك؟ فقلت: لا والله، فقال: ولكني واللهِ أرى نفسي مثلَ تلك الليلة، ثم ألقى دَرَقَتَه (٥) تحت رأسه ونام حتَّى سمعتُ غطيطَه.


(١) في (خ): مربعًا، والمثبت من تاريخ دمشق ٨/ ٩٧ (مخطوط)، وقد أخرجه من غير طريق السلمي.
(٢) تحرف في (خ) إلى: زين، وانظر سير أعلام النبلاء ٩/ ٣١٥.
(٣) في الحلية ٨/ ٦٤.
(٤) أي: تسقط.
(٥) الدرقة: الترس من جلد ليس فيه خشب ولا عقب. المعجم الوسيط (درق).