للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تعالى بذلك، ليثبِّت جنانه (١) فيصلح حينئذ لحمل الرسالة إلى فرعون.

رجع الحديث إلى وهب، قال: وكان لها شعبتان، ومحجن تحت الشعبتين ﴿قَالَ أَلْقِهَا يَامُوسَى﴾ [طه: ١٩] فظن أنه يقول: ارفضها، فألقاها، ثم حانت منه نظرة فإذا هي أعظم ثعبان نظر إليه الناظرون يدبُّ كأنه يلتمس شيئًا يريد أخذه، يمر بالصخرة مثل الخَلِفَة (٢) من الإبل فيلتقمها، ويطعن بالناب من أنيابه في أصل الشجرة العظيمة فيقتلعها ويبتلعها، عيناه توقدان نارًا، وقد عاد المحجن عرفًا فيه شعر مثل النيازك، وعادت الشعبتان فمًا مثل القليب الواسع، فيه أضراس وأنياب لها صريف، فلما عاين ذلك موسى ولى مدبرًا، فذهب حتى أمعن في البريَّة، ثم ذكر ربه فوقف استحياءً منه، فنودي: يا موسى ارجع حيث كنت، فرجع وهو شديدُ الخوف، فقال: ﴿خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى﴾ [طه: ٢١] وعلى موسى يومئذ مِدْرَعة صوف، قد خلَّها بخلال من عيدان، فأثنى طرف مدرعته على يده ليأخذها، فقال له مَلَكٌ: أرأيت يا موسى، لو أذن الله لما تحاذر أكانت المدرعة تغني عنك شيئًا؟ قال: لا، ولكني ضعيف، ومن ضعفٍ خلقت، فكشف عن يده ووضعها في فم الحية حتى سمع حسَّ الأضراس والأنياب، ثم قبض فإذا هي عصاه التي عهدها.

فإن قيل: فلمَ خاف موسى من العصا ولم يخف إبراهيم من النار؟ فالجواب: إن تحويل العصا من فعل الله تعالى، وإيقاد النار من فعل الخلق، وقيل: خاف موسى أن تلك الحية التي أُخرج آدم من الجنة بسببها، أو من جنسها، فلهذا خاف، والسعيد مَنْ وُعِظَ بغيره. وقيل: لما أضافها إلى نفسه بقوله: ﴿هِيَ عَصَايَ﴾ أراه أن من اتكل على غيره تعقبه الفرار.

وقال ابن عباس: ولما حصل في الوادي نودي: ﴿فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى﴾ [طه: ١٢] واختلفوا في معنى الأمر بإلقاء نعليه على أقوال:

أحدها: أنهما كانا من جلد حمار غير مدبوغ، قاله قتادة، وابن مسعود رواه مرفوعًا، ولا يصحّ، وقد ذكرناه في حديث العبريّ.


(١) في (ب): "جأشه.
(٢) هي الحامل من النوق.