للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما تعلم من الحقّ، ولَعمري لو أنصفتَ لانبسطتْ بالحجَّة مطالعُ مقالتك، ولكنتُ مَحْجوجًا بمُفارقتك وما يجب من طاعتك، وأنا مُذْعِنٌ بها، فأَولى بك أن تأخذَ بالحقِّ في أمري، وإن أَبيت، قام الحقُّ بمَعْذِرَتي، وهل أحدٌ فارق الحقَّ فأبقى فعلُه مَوضعَ ثقةٍ لقوله.

وكتب إلى ابن ماهان: من عبد الله المأمونِ إلى عليِّ بن عيسى: أما بعد: فإنَّك في ظلِّ دعوةٍ لم تزل أنت وسلَفُك بمكان ذَبٍّ عن حريمها، والعنايةِ بحفظها ورعاية حقِّها، توجبون ذلك لأئمَّتكم، وتعتصمون بحبل جماعتِكم، وتُعطون الطاعةَ من أنفسكم، وتكونون يدًا على مَن خالفكم، وسِلمًا لمَن وافقكم، لا ترون شيئًا أبلغَ في صلاحكم من الأمر الجامعِ لأُلفتكم، ولا أحرَى لبوَاركم ممَّا دعا إلى شَتات كلمتِكم، ترون مَن رغب [عن] (١) ذلك جائرًا عن القَصْد، ومَن أمَّه على منهاج الحقّ، ولقد كانت الأئمةُ تُنزلكم من ذلك حيث أنزلتم أنفسَكم بقُربكم، حتى بلغ اللهُ بك من نفسك أنَّك كنت قَريعَ أهلِ دعوتك، والعَلَمَ القائمَ بمعظم أمر أئمَّتك، حتى حَلَلْتَ بالمَحَلِّ الأعلى، والمقامِ الأسنى، وإنَّ الله لا يغيِّر ما بقومٍ حتى يغيِّروا ما بأنفُسهم، وقد علمتَ ما أخذه أميرُ المؤمنين على الخاصَّة والعامَّة من العهود والمواثيق. وذكر كلامًا طويلًا.

وكان الفضلُ بن سهل قد دَسَّ دَسيسًا إلى الفضل بنِ الربيع، فكان يثق به ويشاوره في أمره، وكان الدَّسيسُ يُطالع الفضلَ بن سهل بما يتجدَّد كلَّ وقت، فلما تيقَّن الفضلُ بن سهل أنه لا بدَّ للأمين من الحرب، بعث إلى الدَّسيس يقول: تلطَّف للفضل بنِ الربيع وأَشِر عليه أن يكون المتولِّيَ لحرب المأمونِ عليُّ بن عيسى بنِ ماهان. وإنما خصَّ ابنَ ماهان لسوء برِّه (٢) في أهل خراسان، وظلمِه لهم، وبغضِهم له. فشاور الفضلُ الدسيسَ في ذلك فقال: وأين أنت عن عليِّ بن عيسى في طول ولايتِه على خراسانَ، وسخائه وصنائعِه فيهم! ثم هو شيخُ الدعوة وبقية الشِّيعة (٣).

فاتفق الفضلُ ومحمَّد وبكرٌ وغيرهم على توجيهه، فدعاه الأمين، فعقد له خمسين


(١) ما بين حاصرتين من تاريخ الطبري ٨/ ٣٩٧.
(٢) في تاريخ الطبري ٨/ ٣٩٩: أثره.
(٣) في تاريخ الطبري: المشايعة.