للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ألفَ فارس وراجلٍ من أهل بغداد، ومكَّنه من الأموال والخزائن، فأعطاه لنفسه مئتي ألفِ دينار، ولابنه خمسين ألفًا، وأعطاه لأجل الإنفاقِ في الجند ألف ألفِ دينار، ومن السيوف المُحَلَّاة ألفي سيف، ومن الثياب ستةَ آلاف ثوبٍ للخلع، وسلاحًا كثيرًا وخِيَمًا وخيلًا، وغيرَ ذلك، وعقد له على كُور الجباب وهَمَذانَ والرَّيِّ ونَهاوَنْدَ وقُمَّ وقاشانَ وأصبهانَ وجميعِ خراسان.

فخرج من بغدادَ ليلةَ الجمعةِ لأربعَ عشرةَ خلت من جُمادى الآخرة، وأعطاه الأمينُ قيدًا من ذهب وقَيدًا من فضَّة ليقيِّدَ بهما المأمون. وقيل: خرج لسبع ليالٍ خلون من شعبان، فعسكر بالنَّهْرَوان، ولمَّا أراد الخروج، جاء إلى باب أمِّ جعفرٍ يودِّعها، فقالت له: يا علي، إنَّ أمير المؤمنين وإن كان ولدي، إليه تناهت شَفَقتي، وعليه تكامل حَذَري، فإنَّي على عبد الله مُنْعَطفةٌ مُشْفِقة؛ لما يحدث عليه من مكروهٍ وأذى، وإنما ابني مَلِكٌ نافس أخاه في سلطانه، وزاحمه على ما في يده، فاعرف لعبد اللهِ حقَّ والدِه (١) وإخوته، وإن قَدَرْتَ عليه فلا تَجْبَهْهُ بالكلام فإنَّك لست بنظيره، ولا تقتسرْه اقتسارَ العبيد، ولا توهنه بقيدٍ ولا غُلّ، ولا تمنع منه جاريةً ولا خادمًا، ولا تعنِّف عليه في السَّير، ولا تساوه في المسير، ولا تركب قبله، وإن خسّ (٢) عليك فلا ترادَّه. فقال: أَفعل جميعَ ما أردتِ به. ثم جلس محمَّد يومَ الجمعة في المقصورة، وجمع القوَّاد وبني هاشمٍ وأَظهر خلعَ المأمون.

وقال الفضل بنُ الربيع: إنَّ عبد الله خالف الإمامَ وقطع عنه البريد، وأَزال اسمَه من الدراهم والدنانيرِ والطُّرُز، وليس لأحدٍ في الخلافة حقٌّ مع أمير المؤمنين، لا لعبد اللهِ ولا لغيره، فبايِعوا لموسى ابنِ أمير المؤمنين، فبايَعوا، فقسم فيهم أموالًا كثيرة، ولمَّا خرج ابنُ ماهان، خرج معه الأمين يشيِّعه، وحشد معه الصنَّاع والفَعَلة وآلاتِ الحرب، فكان عسكرُه فراسخ (٣)، ولم يرَ أهلُ بغدادَ مثل ذلك العسكر.

ولمَّا سار عليُّ بن عيسى عن النَّهْرَوان، ودَّع الأمين، وترجَّل وقبَّل رِكابه، فترجَّل له


(١) في (خ): ولادته، والمثبت من تاريخ الطبري ٨/ ٤٠٦.
(٢) في تاريخ الطبري: سفه.
(٣) في تاريخ الطبري: فرسخًا.