للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأمين، ثم أوصاه بوصايا، منها أنَّه قال له: امنع جندَك من العَبَث والفسادِ بالرعية، والغارةِ على أهل القرى، وقطعِ الشجر وفسادِ الثمر، والتعرُّض للحريم، ومَن جاءك من أهل خُراسانَ فأَكرِم مثواه، وأحسن جائزتَه، ولا تعاقب الأخَ بأخيه، وضع عنهم رُبعَ الخراج، ولا تؤمِّن أحدًا رماك بسهمٍ أو طعنَ في أصحابك برمح، ولا تأذن لعبد اللهِ في المقام أكثرَ من ثلاثةٍ من اليوم الذي تظفر به فيه، وإن قاتلك فناجزْه، وإن هرب إلى خراسانَ فاتبَعْه بنفسك.

ولما أراد عليٌّ المسير قال له منجِّمه: لو انتظرتَ بمَسيرك صلاحَ القَمَر! فقال: أنا لا أدرى ما ذلك، ومَن حاربَنا حاربناه، ومَن سالمَنا سالمناه. وسار، فلمَّا جاوز حُلْوان، لقيته قوافلُ من خراسان، فقال: ما الخبر؟ فقالوا: إنَّ طاهر بنَ الحسين مقيمٌ بالرَّيِّ، يَعرض أصحابه ويتهيَّأ للقائك، فضحك عليٌّ وقال: وما طاهر! واللهِ ما هو إلَّا شوكةٌ من أغصاني، أو شَرارةٌ من ناري، وما مثلُ طاهرٍ من يتولَّى الحروب، وإنَّ السِّخال لا تقوى على النِّطاح للكِباش، وإنَّ الثعالب لا صبرَ لها على لقاء الأُسد.

ثم كتب كتابًا إلى ملوك الدَّيلم وجبالِ طَبَرِستان وما والاها من الملوك، يَعِدُهم بالصِّلات والجوائز، وأَهدى إليهم التيجانَ والأساورَ والسيوف المحلَّاة وغيرَها، وأمرهم أن يقطعوا طريقَ خُراسان، وأن يمنعوا المَدد أن يصلَ إلى طاهر، فأجابوه.

وكتب الأمين إلى أبي دُلَف العِجليِّ يأمره أن ينضمَّ بمن مَعه إلى عليّ، فأجابه، واجتمع مع عليٍّ خلقٌ عظيم، ولمَّا قَرُب من الرَّيِّ على يومين أو ثلاثة، قال له صاحب مقدَّمته: الرأي التحفُّظ وإذكاءُ العيون (١) والطلائع، وضربُ الخنادق؛ خوفًا من تبييت طاهر؛ فإنَّ ذلك أبلغُ في الرأي، وآنَسُ لقلوب الجند، فقال له عليّ: اسكت، فليس مثلُ طاهرٍ مَن يُستعَدُّ له بالمكايد، بل إنَّ حال طاهرٍ يؤول إلى أحد أمرين: إما أن يتحصَّن بالرَّي، فيبيِّته أهلها، فيكفونا مؤونتَه، أو يُدْبرَ راجعًا وقد قَرُبنا منه، فنأتي عليه. فقال له: إنَّ العساكر والحروبَ لا تُدَبَّر بالاغترار، والثقةُ الاحتراز، ولا تقل: المحاربُ لي طاهر؛ فإنَّ الشرارةَ الخفيةَ قد تفسير ضِرامًا، والبَلَّة (٢) من السَّيل ربَّما


(١) إذكاء العيون: إرسالها. المعجم الوسيط (ذكر).
(٢) في تاريخ الطبري: الثلمة.