للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صارت بحرًا، وقد قربنا من طاهر، فلو كان همُّه الهرب، لم يتأخَّر إلى يومه هذا. فقال ابنُ ماهان: إنما تتحفَّظ الرجال إذا لقيت أقرانَها، وتستعدُّ إذا كان المناوئُ لها أكفاءَها ونظراءها.

ثم سار حتى صار بينه وبين الرَّيِّ عشرةُ فراسخ، فسدَّ طاهرٌ أبواب الرَّي، وأَذكى العيون، واستعدَّ لمحاربته، واستشار أصحابه فقالوا: الرأيُ مقامنا بالرَّي، وندافع بالقتال إلى أن يأتيَنا المَددُ من خُراسان، فإنَّ مقامنا بالري أرفقُ بنا. فقال طاهر: ليس هذا برأي؛ فإنَّ أهل الريِّ (١) لابن ماهانَ هائبون، ومن سَطوته مُشفقون، ومعه مَن قد علمتم من أعراب البوادي، وصعاليكِ الجبل، ولفيفِ القُرى، ولست آمَن أن يهجمَ الريَّ فيُعينه أهلُها علينا خوفًا منه، مع أنَّه لم يكن قومٌ قطُّ زوحموا في ديارهم إلا ذلُّوا ووهنوا، وذهب عزُّهم (٢) واجترأ عليهم عدوُّهم، والرأي أن نخرجَ من الريِّ ونجعلَها وراءَ ظهورنا، فإن أعطانا اللهُ الظَّفَر، وإلَّا دخلنا فتحصَّنَّا بها إلى أن يأتيَنا المددُ من خراسان. فقالوا: الرأيُ ما رأيت.

فخرج بأصحابه، فعسكر على خمسة فراسخَ من الرَّيِّ بقرية يقال لها: كلوص (٣)، وقال عليُّ بن عيسى لأصحابه: بادروا القوم؛ فإنَّ عددهم قليل، ولو قد زحفتم إليهم لم يكن لهم صبرٌ على طعن الرِّماح وحرارة السيوف.

ثم عبَّأ جنده ميمنةً وميسرةً وقلبًا، وصيَّر في كلِّ ناحيةٍ من النواحي جمعًا عظيمًا، وتقابل الفريقان، وقد رتَّب عليُّ بن عيسى أصحابه كراديسَ كراديس، وقدَّم بين يديه عشرَ رايات، في كلِّ راية رجالٌ (٤) من أهل النَّجدة، راية خلف راية، وجعل أبا دُلَفٍ العجليَّ في الميمنة، وقائدًا كبيرًا في الميسرة، ووقف هو في القلب.

وجعل طاهرٌ على ميمنته المأموني، وعلى ميسرته الرُّسْتُمي، ووقف هو في القلب، وكان جميعُ عسكرِ طاهر أربعةَ آلاف، وعسكرُ ابنِ ماهان يقارب ثمانين ألفًا، وجعل


(١) في (خ): الرأي. والمثبت من تاريخ الطبري ٨/ ٤٠٩.
(٢) في (خ): غيرهم. والمثبت من تاريخ الطبري.
(٣) في تاريخ الطبري: كلواص، وفي نسخة منه: كلوص، كما هنا.
(٤) في تاريخ الطبري ٨/ ٤١٠: ألف رجل، وفي الكامل ٦/ ٢٤٣: مئة رجل.