للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

طاهرٌ يمرُّ (١) بين الصفوف والكَراديسِ ويقول: يا أهلَ الوفاءِ والشكر، إنَّكم لستم كهؤلاء أهلِ الغَدْر والنَّكْث، إنَّ هؤلاء ضيَّعوا ما حفظتم، وصغَّروا ما عظَّمتم، ونكثوا الأَيمان التي (٢) رعيتم، وإنَّما يقاتلون على الباطل والجهل، أصحابُ نهب وسلب، فجاهِدوا طواغيتَ الفتن، ويعاسيبَ النار، وادفعوا بحقِّكم باطلَهم، وإنَّما هي ساعةٌ حتى يحكمَ اللهُ بيننا وهو خيرُ الحاكمين.

فبينما هم كذلك، وَثَب أهل الرَّي فأغلقوا أبوابَ المدينة، فنادى طاهر: يا أولياءَ الله، اشتغلوا بمن أمامَكم عمَّن وراءكم؛ فإنَّه لا ينُجيكم إلا الصدقُ والصبر.

ثم اقتتلوا قتالًا شديدًا، وصبر الفريقان، فقال أحمدُ بن هشامٍ لطاهر: دعني أذكِّر ابنَ ماهانَ العهودَ والمواثيق التي أخذها علينا المأمون، يعني أهلَ خراسان، فقال: افعل، فجعل الورقةَ التي فيها البيَعة والأَيمان على رأس رمح، ووقف بين الصفَّين ونادى: يا ابنَ ماهانَ، ألا تتَّقي الله! أما هذه العهود التي أخذتَها علينا للمأمون، خَفِ الله، فقد بلغت بابَ قبرك.

وكان ابنُ ماهانَ قد ضربه ألفَ سَوط (٣)، فقال: مَن جاء به فله ثلاثةُ آلافِ درهم، فرجع إلى عسكر طاهر، وبرز رجلٌ من عسكر ابنِ ماهان يقال له: حاتم الطائي، من أشدِّ الناس، فشدَّ عليه طاهرُ بن الحسين وقد أمسك سيفَه بيديه، فضربه فقدَّه نصفين، فكان الفتحُ في تلك الضَّربة، وفي ذلك اليومِ لقِّب طاهرٌ ذا اليمينين؛ لأنَّه أخذ السيفَ بكلتا يديه جميعًا.

وحمَلت ميمنةُ ابنِ ماهان على ميسرة طاهرٍ ففضَّتها، وميسرتُه على ميمنة طاهرٍ فأزالتها عن مواضعها، فقال طاهر: هذا ما لا قِبَلَ لنا به، فاقصدوا القلبَ بأجمعنا، واحملوا على أصحاب الرَّايات، وجعل بين يديه ألفين من الرّماة الخُوارِزْميَّة، فحملوا، فرجعت أوائلُ الراياتِ على أواخرها، وانهزموا وكَثُرَ فيهم القتل.

ورجعت الرايات إلى عليٍّ وهو في القلب، فجعل ينادي: أين أصحابُ الحفاظ،


(١) في (خ): يميز، والمثبت من تاريخ الطبري.
(٢) في (خ): الذي.
(٣) في تاريخ الطبري ٨/ ٣٩٣: أربع مئة سوط.