للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أين أصحاب الأساور [و] الأكاليل؟! يا معاشرَ الأبناء، الكَرَّةَ بعد الفَرَّة. فما عرَّجوا عليه، وأخذتهم السيوفُ والرماح، وهبَّت ريحٌ شديدة، فكانت الدَّبْرة على ابن ماهان، وكان على فرسٍ أَرحَل (١) -حمله عليه محمَّد، وذلك يُكره في الحرب ويدلُّ على الهزيمة- فحمل عليه رجلٌ يقال له: داود سياه وهو لا يعرفه، فضربه بالسيف فصرعه، ورآه طاهرُ بن التاجيّ -ويسمَّى طاهرًا الصغير- فعرفه، فقال: أنت عليُّ بنِ عيسى؟ قال: نعم، ظنًّا منه أنَّه يهابه، فنزل فذبحه وجاء برأسه إلى طاهر بنِ الحسين، فلما رآه نزل فسجد وأعتق كلَّ مملوكٍ له ممَّن كان بحضرته، وتبعهم عسكرُ طاهرٍ فرسخين، واستولى طاهرٌ على الأموال والسلاحِ والخزائن والرَّقيق والدوابِّ وغيره، وأخذ جُثَّةَ ابن ماهان، فلفَّها في لِبْدٍ وألقاها في بئر، وكتب إلى المأمون بالفتح، وبعث برأس ابن ماهانَ وخاتمِه إليه، وكانت الوقعةُ بمكان يقال له: مُشكُويه، بينه وبين الرَّيّ سبعُ فراسخ، فسار البريد من الرَّيِّ إلى مروَ في أربعة أيام (٢)، وبينهما [خمسون] ومئتا فرسخ، ورجع طاهرٌ إلى الريِّ بعد أن نادى: مَن طرح سلاحَه فهو آمن، ففعلوا ونزلوا عن دوابِّهم، وكان عبدُ الله بن عليِّ بنِ عيسى قد ألقى نفسَه بين القتلى، فلمَّا جاء الليل، قام من بينهم، وتبع (٣) جماعةً فلحق، وكان أكبرَ أولادِ علي (٤).

وقيل: إنَّ طاهرَ بن الحسين إنَّما كتب بالفتح إلى ذي الرِّياستين: أطال اللهُ بقاءك، وكبت أعدائك، وجعل مَن شَناك فِداك، كتبت إليك ورأسُ عليِّ بن عيسى بين يدَيّ، وخاتمُه في إصبعي (٥)، والحمدُ لله ربِّ العالمين. فدخل على المأمون فبشَّره، فأيَّد طاهرًا بالرجال، وسمَّاه ذا اليمينين، وأمر بإِحضار أهلِ بيته وقوَّاده ووجوهِ الناس، فدخلوا وسلَّموا عليه بالخلافة، وأعلن يومئذٍ بخلع محمَّد، وردَّ عليه رأسَ ابن ماهان،


(١) فرس أرحل: أبيض الظهر فقط. القاموس المحيط (رحل).
(٢) في الكامل ٦/ ٢٤٥: ثلاثة أيام. وما سيأتي بين حاصرتين منه، وانظر تاريخ الطبري ٨/ ٣٩٤.
(٣) في (خ): وتبعه، وهو خطأ، وفي تاريخ الطبري ٨/ ٤١١: فانضم إلى جماعة من فل العسكر ومضى إلى بغداد.
(٤) في تاريخ الطبري: وكان من أكابر ولده.
(٥) في (خ): إصبعه، والمثبت من تاريخ الطبري ٨/ ٣٩٤ والمنتظم ١٠/ ١٣.