للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أُباكِرُها صَهْباءَ كالمِسْك ريحُها … لها أَرَجٌ في دَنِّها حين تَرْشُمُ (١)

فشَتَان ما بيني وبين ابن خالدٍ … أُميَّةَ في الرِّزق الذي اللهُ يَقسم

ثم قال: يا أبا الحارث، إنا وإياك نجري إلى غايةٍ، إن قصَّرنا عنها ذُمِمْنا، وإن اجتهدنا [في] بلوغها قصَّرنا وانقطعنا، وإنما نحن شِعْبٌ من أصل، إنْ قوي قوينا، وإن ضَعُفَ ضَعُفْنا، وإنَّ هذا الرجلَ قد ألقى بيده إلقاء الأَمَة الوَكْعاء (٢)، يُشاور النِّساءَ في أمره، قد أمكن مَسامعَه من أهل اللهو والجَسارة واللَّعب، فهم يَعِدونه الظَّفرَ، ويمنُّونه النَّصر، والهلاكُ أسرعُ إليه من السَّيل إلى قِيعان الرَّمْل، وقد خشيتُ أن نهلكَ بهلاكه، ونَعْطَبَ بعطَبَه، وأنت فارسُ العرب وابنُ فارسها، وقد فزع إليك هذا الرجل، وأطمعه (٣) فيما قِبَلك أمران، أحدهما: صدقُ طاعتك وفَضْلُ نصيحتك، والثاني: شدَّة بأسِك وشَرَفُ نفسك، وقد أمرني بتجهيزك، وإزالة عِلَّتك، وبسطِ يدك فيما أحببت، غير أنَّ الاقتصاد رأسُ النصيحة، ومفتاح اليُمن والبركة، فأَنجِزْ حوائجك، وعجِّل المُبادرةَ إلى عدوِّك، فإني أرجو أن يوليَك اللهُ شرفَ هذا الفتح، وَيلُمَّ بك شعثَ الخلافةِ والدولة.

قال أسد: فقلت: أنا لطاعة أميرِ المؤمنين وطاعتك مُقَدِّم، وعلى ما أدخل الوهنَ والذُلَّ على عدوِّه وعدوِّك حريص، غير أنَّ المحارِبَ لا يعمل بالغرور [ولا يفتتح] أمرَه بالتقصير والخَلَل، وإنما مِلاكُ المحارب الجنود، وملاكُ الجنودِ المال، وقد ملأ أميرُ المؤمنين أيديَ مَن شهد العسكر من جنوده، وتابع لهم الأرزاقَ الدارَّةَ، والصِّلاتِ الجَزيلةَ، والفوائدَ التامَّة، فإن سرتُ بأصحابي وقلوبُهم متطلِّعة إلى مَن خلفهم من إِخوانهم، لم أنتفعْ بهم في لقاء مَن أمامي، والذي أسأله أَن يؤمرَ لأصحابي برزق سَنة، ويحملَ معهم مثل ذلك، ولا أُسأل عمَّ افتتحتُ من البلاد والكُوَر. فقال: قد أَشْطَطْتَ،


= فيصبح من طول الطراد وجسمه … نحيل وأضحي في النعيم أصمصم
وانظر الكامل ٦/ ٢٥٣.
(١) في (خ): بوسم، وفي الكامل: يرسم، والمثبت من تاريخ الطبري. وترشم: تختم. مختار الصحاح (رشم).
(٢) في (خ): الكوعاء، والمثبت من تاريخ الطبري وابن الأثير. والوكعاء: الحمقاء الوجعاء. القاموس المحيط (وكع).
(٣) في (خ): وأطعمه، والمثبت من تاريخ الطبري وابن الأثير.