للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا بدَّ من مُطالعته بما قلت.

ثم ركب وركبتُ معه، فدخل قبلي على محمَّد ودخلتُ بعده، فما دار بيني وبين محمَّد سوى كلمتين حتى غضب وأمر بحبسي.

وقيل: إنَّ أسدًا قال لمحمَّد: ادفع إليَّ ولدَي المأمون [حتى] يكونا أسيرَين في يدي، فإن أطاعني وألقى إليَّ بيده، وإلَّا عملتُ فيهما بحُكمي، وأنفذتُ فيهما أمري. فقال له محمَّد: أنت أعرابيٌّ مجنون، أدعوك إلى ولاية أعِنَّة العرب والعجم، وأُطعمك خراجَ كُوَر خُراسانَ والجبال، وأرفع منزلتَك على نُظَرائك من أبَناء القوَّاد والملوك، وتدعوني إلى قتل ولدي، وسفكِ دماءِ أهل بيتي، إنَّ هذا لَخُرْقٌ وتخليط. وأمر بحبسه. وكان للمأمون ابنان مع أمِّهما أمَّ عيسى بنتِ موسى الهادي.

ولما غضب محمَّد على أسدٍ وحبسه، سأل: هل في أهل بيته مَن يقوم مَقَامَه؟ وقال محمَّد: أكره أن أستفسدَهم مع سابقتهم وما تقدَّم من نُصحهم وطاعتهم، فقالوا: نعم فيهم أحمدُ بن مزيد، وهو أحسنُهم طريقة، وأصلحُهم نية، وله بأسٌ ونَجْدة في الحروب، وبَصَرٌ بسياسة الجنود، وكان قد خرج إلى ضَيعة له، فبعث خلفه بَريدًا ولم يصل بعدُ إلى ضيعته، فرُدّ. قال أحمد: فلمَّا دخلت بغدادَ بدأتُ بالفضل بنِ الربيع، فإذا عنده عبدُ الله بنُ حُمَيد بنِ قَحْطَبة، وهو يريده إلى المسير إلى طاهر، وعبد الله يشتطُّ عليه في طلب المالِ والرجال، فلما رآني، رحَّب بي، وأخذ بيدي حتى رفعني معه إلى صدر المجلس، وأنشد: [من البسيط]

إنَّا وَجَدْنا [لكم] إذ رَثَّ حَبْلُكمُ … من آل شَيبانَ أُمًّا دونكمْ وأبا

الأكثرون إذا عَدُّوا الحَصَى (١) عَدَدًا … والأقربون إلينا منكمُ نَسَبا

فقال عبد الله: إنَّهم لكذلك، وإنَّ فيهم لسدَّ الخَلَل، ونكايةً في العدوّ، ودفعَ معرَّة (٢) أهلِ المعصية عن أهل الطاعة.

قال أحمد: فأقبل عليَّ الفضلُ وقال: إنَّ أمير المؤمنين أَجرى ذِكرك، فوصفتُك له


(١) في تاريخ الطبري ٨/ ٤٢١، وابن الأثير ٦/ ٢٥٥: عدد الحصى. وما بين حاصرتين منهما.
(٢) في (خ): معيرة.