للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بحُسن الطاعة، وفضلِ النصيحة، والشدَّة على أهل المعصية، والتقدُّم بالرأي، فأحبَّ اصطناعك، والتَّنويهَ باسمك، وأن يرفعَك إلى منزلة لم يبلغْها أحدٌ من أهل بيتك.

ثم قام وقمتُ معه، فأدخلني على محمَّد وهو في صحن دارِه على سريرٍ له، فأدناني حتى كدت أن أُلاصقَه، وقال: قد أكثر عليَّ (١) تخليطُ ابنِ أخيك وتنكُّره وخلافه، حتى أوحشني ذلك منه، وولَّد في قلبي التُّهَمة له، فأصاره التأديبُ على ذلك إلى الحبس، فلم أكن أحبُّ ذلك، وقد وُصفتَ لي بخير، ونُسِبت إلى جميل، وقد أحببتُ أن أرفعَ قَدْرَك، وأقدِّمَك على أهل بيتك، وأولِّيك جهادَ هذه الفئةِ الباغية النَّاكِثة، وأعرِّضَك للأجر والثوابِ في قتالهم، فانظر كيف تكون، وصحِّح نيَّتك، وأَعِن أميرَ المؤمنين، وسُرَّه في عدوِّه، ليعمَّ سرورُك وتشريفك.

قال أحمد: فقلت له: سوف أبذُل في طاعة أميرِ المؤمنين -أعزَّه الله- مُهْجَتي، وأبلغ من جهاد عدوِّه أفضلَ ما أمَّله عندي، ورجاه من نهضتي وكفايتي إن شاء اللهُ تعالى. ثم قال: يا فضل، جهِّزه، فقال: سمعًا وطاعة. فعرض الرجال، وأزال الشكاوى، فكانوا عشرين ألفًا.

قال أحمد: ولمَّا ودَّعتُه قلت: أَوصِني يا أميرَ المؤمنين، فقال: إياك والبغيَ؛ فإنَّه عِقالُ النصر، ولا تقدِّم قَدَمًا إلَّا بالاستخارة، ولا تَشهَر سيفًا إلَّا بعد الإعذار، ومهما قدرتَ عليه باللِّين فلا تتعدَّه إلى الخُرْق والشدَّة، وأحسن صَحابةَ مَن معك من الجند، وطالعني بأخبارك في كلِّ يوم، ولا تخاطرْ بنفسك في طلب الزُّلفى عندي، ولا تستَبْقها فيما تتخوَّف رجوعَه عليّ، وكن لعبد اللهِ أخًا مُصافيًا، وقرينًا بَرًّا، وأَحسِن صحبتَه ومعاشرته، ولا تخذلْه إن استنصرك، ولا تُبطئ عليه إن استصرخك، ولتكن أيديكما واحدة، وكلمتُكما متَّفقة، ثم قال: سلْ حوائجك، وعجِّل السَّراحَ إلى عدوِّك. فقال أحمد: يا أميرَ المؤمنين، حاجتي أن تُكثرَ لي من الدُّعاء، ولا تقبل فيَّ قولَ باغٍ ولا حاسد، ومُنَّ عليَّ بالصفح عن ابن أخي. قال: قد فعلت ثم أرسل إلى أسد، فحلَّ قيودَه وأطلقه.

وسار أحمدُ بن مزيد في عشرين أَلفًا من العرب، وسار عبدُ الله بن حُمَيد بنِ قَحْطَبةَ


(١) في (خ): عليك، والمثبت من تاريخ الطبري ٨/ ٤٢٢.