للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في عشرين ألفًا من الأنبار (١)، وأمرهما أن ينزلا حُلْوانَ ويدفعا طاهرًا عنها، وأوصاهما بالتودُّد والتَّحابُب واجتماعِ الكلمة، فسارا حتى نزلا خانِقِين، وأقام طاهرٌ بحُلْوانَ وخندق عليه، ودسَّ الجواسيسَ إلى عسكرهما، فكانوا يأتونهم بالأراجيف، ويُخبرونهم أنَّ محمَّدًا قد وضع العطاءَ لأصحابه، ولم يزل يحتال في وقوع الخلافِ بين أحمدَ وعبدِ الله حتى أَوقع بينهما، فقاتل بعضُهم بعضًا، ووقع السيفُ بينهم، فانتقض أمرُهم، ورجعوا من خانِقين إلى بغداد، ولم يلقَوا طاهرًا، وأقام طاهرٌ بحلوان، فبينما هو كذلك، إذ قدم هَرْثَمةُ بن أَعْينَ من خُراسانَ بكتاب المأمون وذي الرِّياستين يأمرانه بتسليم ما حوى من المدن والكُوَرِ إليه، وأن يتوجَّه طاهرٌ إلى الأهواز، ففعل، وأقام هرثمةُ بحُلْوان.

وفيها رفع المامونُ منزلةَ الفضلِ بن سهل، وعقد له على المَشْرق طولًا وعرضًا، وجعل مَغَلَّه ثلاثةَ آلاف ألفِ درهم، وكتب على سيفه ذا الرِّياستين، من جانب: رياسةُ الحرب، ومن جانب: رياسةُ العلم والتدبير (٢)، فقام بأمور المأمونِ كما يحبّ، وولَّى المأمونُ أخاه الحسنَ بن سهل دواوينَ الخراج.

وفيها ولَّى الأمين عبدَ الملك (٣) بنَ صالح الجزيرةَ والشام (٤). وسببه: لمَّا قوي طاهرٌ واستفحل أمرُه وهزم مَن هزم، قال عبدُ الملك للأمين: يا أميرَ المؤمنين، إنَّك قد أحسنت إليّ، وإنِّي أرى الناسَ قد طمعوا فيك، وقد عوَّدتَ العساكرَ جودَك وسماحتك، فإن استمرَّيتَ على عادتك، أفسدتهم وأَبطرتهم، وإن منعتهم العطاء، أسخطتَهم وأغضبتهم، وليس تُملَك الجنودُ بالمنع من العطاء، ولا تبقى الأموالُ مع البذل والإنفاق، ومع هذا فجندُك قد أَرعبتْهم الهزائم، وأضعفتهم الوقائع، ونَهَكَتْهُم الحروب، وملأت قلوبَهم الهَيبة، فنكلوا عن لقاء عدوِّهم، وكلَّما سيرتهم إلى طاهرٍ


(١) في تاريخ الطبري ٨/ ٤٢٣: الأبناء.
(٢) في المنتظم ١٠/ ٢٣: وسماه ذا الرئاستين، وكان على سيفه مكتوب من جانب: رئاسة الحرب، ومن جانب: رئاسة التدبير. وانظر تاريخ الطبري ٨/ ٤٢٤، وابن الأثير ٦/ ٢٥٧.
(٣) في (خ): عبد الله، والمثبت من (ب) والمصادر.
(٤) بعدها في (ب): وفيها خلع الأمين وبويع للمأمون ببغداد، ثم أعيد الأمين، وحج بالناس العباس بن موسى بن عيسى، وكان المأمون قد أعيد إلى الخلافة بمكة والمدينة. اهـ. واختصرت بذلك أحداث هذه السنة.