للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

غلب بقليل ما معه كثير ما معك، وأهلُ الشام قومٌ قد ضَرَسَتْهم الحرب، وأدَّبتهم الشدائد، وكلُّهم مُسارعٌ إلى طاعتي، فإن اتخذتَ منهم جندًا، كان أعظمَ في النِّكاية في العدوّ. فقال محمَّد: ولَّيتك ذلك، فعجِّل الخروج، واعمل برأيك.

وكتب عهده على الجزيرة والشام، فسار إليها، فنزل الرقَّة، وكتب إلى أمراء الأجنادِ والعربِ ووجوهِ الناس، فأَقبلوا عليه من كلِّ وجه، فأَحسن إليهم، ووصلهم بالأموال والخِلَع، فبينا رجلٌ من الأبناء من أهل خراسانَ يمشي، إذ نظر إلى دابَّة كانت له أُخذت في بعض وقائع أبي العَمَيطَر تحت رجلٍ من أعراب الناس، فتعلَّق به، واجتمع جماعةٌ من الأبناء وجماعةٌ من أهل الشام، وتَلاحَوا وتنادَوا، فنَشِبَت الحربُ بينهم، وعلى (١) الأبناء الحسينُ بن عليِّ بنِ عيسى بن ماهان، وعلى أوباش الشام جماعةٌ منهم العباسُ بن زُفَر، واقتتلوا قتالًا عظيمًا، فقُتل من الفريقين خلقٌ عظيم، وانهزم أهلُ الشام وتفرَّقوا في كلِّ وجه، وانتقض ما كان عبد الملك دبَّره، وقال: أردنا أمرًا وأراد اللهُ غيرَه، ومات عبدُ الملك بعد الوقعةِ بأيام.

وفيها خُلع الأمينُ وبويع للمأمون ببغداد، ثم أُعيد الأمين.

وسبب ذلك أنَّ عبد الملكِ لمَّا مات بالرقَّة، كان في جنده الحسينُ بن عليِّ بن عيسى بنِ ماهان، فجمع الأبناءَ واستقلَّ بالأمر، وأنفق فيهم الأموال، وسار بهم نحوَ بغداد، فقدمها، فاستقبله الأشرافُ والقوَّاد ووجوهُ الناس، وضُربت له القِباب، ونزل في داره على أكملِ هيبة، وذلك في رجب، وكان يومًا مَشهودًا، فلمَّا كان في الليل، بعث الأمينُ بطلبه، فأَغلظ لرسوله، وقال: ما أنا مغنٍّ ولا مُسامرٌ ولا مُضحك حتى يطلبني في هذه الساعة، [انصرف] (٢) حتى إذا أصبحت غَدوت عليه.

فلما طلع الفجر، ركب في الموالي، وجاء حتى وقف يباب الجسر، واجتمع إليه الناس، فقال: يا معشرَ الأبناء، إنَّ خلافة اللهِ لا تُجاور بالبَطَر (٣)، ونِعَمَه لا تُسْتَصْحَب


(١) في (خ): ونعلهم على؟! وفي المصادر: وقام بأمر الأبناء، انظر تاريخ الطبري ٨/ ٤٢٦، والكامل ٦/ ٢٥٨، وتاريخ الإسلام ٤/ ١٠٤٠.
(٢) ما بين حاصرتين من تاريخ الطبري ٨/ ٤٢٨، وابن الأثير ٦/ ٢٥٩.
(٣) في (خ): إن في خلافة الله تجاوز بالبطر، والمثبت من تاريخ الطبري ٨/ ٤٢٨، والمنتظم ١٠/ ٢٤، وتاريخ الإسلام ٤/ ١٠٤١.