بالتكبُّر، وإنَّ محمَّدًا يريد أن يَنْكُثَ بَيعتكم، ويفرِّقَ جمعكم، وينقلَ عزَّكم إلى غيركم، وقد رأيتم فِعلَه مع أهل الشامِ بالأمس، وإن وجد قوَّةً من أمره ليرجعنَّ وبالُ ذلك عليكم، فاقطعوا أثرَه قبل أن يقطعَ آثاركم، وضعوا عزَّه قبل أن يضعَ عزَّكم، فواللهِ لا ينصره ناصرٌ إلا خُذل، ولا يمنعه مانعٌ إلا قُتل، ولقد علمتم نقضَه للعهود ونكثَه، وما عند اللهِ لأحدٍ هوادة، ولا يراقب على الاستخفاف [بعهوده والحنث بأيمانه].
ثم عبر الجسرَ واجتمع إليه أهلُ الأرباض، وجاءت خيلٌ من عند محمد، فقاتلوه، فهزمهم حتى تفرَّقوا عن باب الخُلدِ ومحمَّد فيه، فخلع الحسينُ محمَّدًا يوم الأحدِ لإحدى عشرةَ ليلةً خلت من رجب، وأخذ البيعةَ للمأمون، وأخرج محمَّدًا من قصر الخلدِ فحبسه في قصر أمِّ جعفر، وقال العباسُ بن موسى بنِ عيسى لأمِّ جعفرٍ زبيدة: اُخرجي من هذا القصر، فأبت، فقنَّعها بالسَّوط وسبَّها سبًّا قبيحًا، وحمُلت إلى مدينة أبي جعفر.
ثم أصبح الناسُ قد ماج بعضُهم في بعض، واجتمعوا إلى محمَّد بنِ أبي خالد، فقال لهم: أيها الناس، والله ما أدري بأيِّ سببٍ يتأمَّر علينا الحسينُ بن ماهانَ ويتولَّى هذا الأمرَ دوننا، وليس هذا بأكبرنا سِنًّا ولا أكرمنا (١) حَسَبًا، ولا أعظمنا منزلة.
وقال أسدٌ الحربي: يا معاشرَ الحربية، هذا يومٌ له ما بعده، إنَّكم قد نمتم وطال نومُكم، وتأخَّرتم فقدم عليكم عدوُّكم، ومحمَّد قد خُلع وأُسر، فاحملوا في إِطلاقه.
وقال لهم بعضُ الشيوخ: هل تعلمون أنَّ محمَّدًا قطع أرزاقكم؟ قالوا: لا، قال: فهل قصَّر في حقِّ أحدٍ من رؤسائكم وكبرائكم؟ قالوا: لا، قال: فما بالُكم خذلتموه وأعنتم عدوَّه حتى خُلع وأُسر؟! أما واللهِ ما قتل قومٌ خليفتهم إلَّا سلَّط الله عليهم السيفَ القاتل والحَتْفَ الزاحف، انهضوا إلى قصر خليفتِكم.
فنهضوا ونهض معهم أهلُ الأرض، فقاتلوا الحسينَ بن علي، فقتلوا من أصحابه مَقتلةً كبيرة، وأسروا الحسين، ودخلوا على محمَّد، ففكُّوا قيودَه وأَعادوه إلى مجلس الخلافة، وأُتي بالحسين أسيرًا إلى بين يديه، فعاتبه وقال له: ألم أقدِّم أباك على
(١) في (خ): أكبر منا، والمثبت من الطبري ٨/ ٤٢٩، وما بين حاصرتين منه.