للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الناس، وولَّيته أعِنَّةَ الخيل، وملأت يدَه من الأموال ورفعتُ أقدارَكم ومنازلَكم على غيركم؟! قال: بلى، قال: فما الذي استحققتُ به منك أن تخلعَ طاعتي وتندب الناسَ إلى قتالي؟ قال: الثقةُ بعفوك، وحسنُ الظنِّ بصَفْحك، قال: قد عفوت عنك، وولَّيتك الطلبَ بثأر أبيك.

ثم خلع عليه وحمله على مركبٍ من مراكبه، وولَّاه ما وراء بابِه، وأمره بالمسير إلى حُلوانَ لقتال طاهر، فعبر على جسر بغدادَ إلى الجانب الشرقي، فلمَّا جاوز الجسر قطعه وهرب، فنادى محمَّد في الناس، فركبوا في طلبه، وكان في نَفَرٍ من خدمه ومواليه، ولحقه الناس، فجعل يحمل عليهم، فيهزمهم ويقتل فيهم، فعثر فرسُه فسقط، وحمل عليه الناسُ فقتلوه، وجاؤوا برأسه إلى محمَّد، فقال عليُّ بن جَبَلةَ الحَوْبي (١):

ألا قاتل اللهُ الأُلى كفروا به … وفازوا برأس الهَرْثَميِّ حسينِ

لقد أورَدُوا منه قَناةً صَليبةً … بشِطْب (٢) يَمانيٍّ ورمح رُدَيني

رجا في خلاف الحقِّ عزًّا وإمرةً … فأَلبسه التَّأميلُ خُفَّ حُنين

وكان قتل الحسينِ في النِّصف من رجبٍ في مسجد كَوْثر الخادم، وهو على فرسخ من بغدادَ في طريق النَّهرين. واختفى الفضلُ بن الربيع في تلك الليلة. وجُدِّدت البَيعة لمحمَّد يوم الجمعة لستَّ عشرةَ خلت من رجب، وكان حبسُه في قصر أبي جعفرٍ يومين.

وفيها توجَّه طاهرٌ إلى الأهواز من حُلوانَ لما نزلها هَرْثَمة، وكان بالأهواز محمَّد بْنِ يزيدَ بنِ حاتمٍ المُهَلَّبي عاملُ محمَّد، فتوجَّه في جمعٍ عظيم، فنزل قريبًا من جُنْدَيسابور، وهي حدُّ ما بين الأهوار والجبل، وجهَّز إليه طاهرٌ القوَّاد ومعهم الجيوش، فلمَّا أشرفوا عليه قال محمَّد لأصحابه: ما ترون؟ فقالوا: الرأي ألا نلاقاهم، ونرجعَ إلى الأهواز فنقيمَ بها، ونستمدَّ العساكرَ من البصرة وغيرِها.

وبلغ طاهرًا، فأمر جماعةً من أصحابه أن يسبقوه إلى الأهواز، فسبقه قريشُ بن


(١) نسبة إلى الحربية محلة كبيرة ببغداد. انظر الأغاني ٢٠/ ١٤. والأبيات في تاريخ الطبري ٨/ ٤٣١، وذيل الديوان ص ١٢٢ منسوبة له أو للخريمي.
(٢) الشطب: السيف. القاموس المحيط (شطب).