للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شبل، فبادره محمَّد ودخل المدينة، ودعا بالأموال فصُبَّت بين يديه، وجاء قريش، فاقتتلوا قتالًا شديدًا، وظهر قريشُ بن شبل عليهم، وتراجع الناس، فقال محمَّد بن يزيد لمواليه ونفرٍ كانوا معه: ما رأيكم؛ فإنِّي لستُ آمَن خذلانَ مَن معي، وقد عزمت على القتال بنفسي حتى يقضيَ اللهُ ما أحبّ، فمَن أراد منكم الانصرافَ فلينصرف، فوالله العظيم لأَن تبقَوا أحبُّ إليَّ من أن تموتوا. فقالوا: لا والله ما أنصفناك إذ قد أعتقتَنا من الرِّقِّ، ورفعتَنا بعد الضَّعَة، وأغنيتَنا بعد الفقرِ ثم نَخذلك، لا واللهِ بل نتقدَّم أمامك، ونموت تحت رِكابك، فقبَّح اللهُ الدنيا والعيشَ بعدك.

ثم نزلوا فعَرْقَبوا دوابَّهم، وحملوا على أصحاب قريشٍ حملةً مُنْكَرة، فأكثروا فيهم القتل، وانتهى بعضُ أصحاب طاهرٍ إلى محمَّد بنِ يزيد، فطعنه وصرعه، وتبادروه فقتلوه، وكان محمَّد بنُ يزيدَ جوادًا ممدَّحًا شجاعًا، فقال بعض أهل البصرةِ يَرثيه: [من المنسرح]

مَن ذاق طعمَ الرُّقاد من فَرَحٍ … فإنَّني قد أضَرَّني سَهَري

ولَّى فتى الرُّشْدِ فافتقدتُ به … قلبي وسمعي وغَرَّني بصري

كان غِياثًا لدى المُحولِ فقد … ولَّى غَمامُ الرَّبيع بالمَطَرِ (١)

وقال بعضُ المَهالبة في تلك الواقعةِ وكان قد جُرح وقُطعت يده: [من الطويل]

فما لُمتُ نفسي غيرَ أنِّيَ لم أُطِق … حَرَاكًا وأنِّي كنتُ بالضَّرب مُثْخَنا

ولو سَلِمت كفَّايَ قاتلتُ دونه … وضاربتُ عنه الطَّاهريَّ (٢) المُلَعَّنا

فتًى لا يرى أن يَخْذِلَ السيفَ في الوَغى … إذا ادَّرَع الهَيجاءَ في النَّقْعِ واكتنى

ودخل عُيينة (٣) المُهَلَّبي على طاهرٍ فأنشده: [من المنسرح]

مَن آنسَتْه البلادُ لم يَرِمِ … منها ومَن أوحشَتْه لم يُقِمِ

إلى قوله:


(١) الأبيات في تاريخ الطبري ٨/ ٤٣٤، وابن الأثير ٦/ ٢٦٣.
(٢) في (خ): الطاهر بن الملعنا.
(٣) كذا في (خ)، وفي تاريخ الطبري وابن الأثير: ابن أبي عيينة، وفي الشعر والشعراء ٢/ ٨٧٢: عبد الله بن محمَّد بن أبي عيينة، وفي الأغاني ٢٠/ ٧٥: محمَّد بن أبي عيينة.