للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما ساء ظنِّي إلَّا لواحدةٍ … في الصَّدر مَحْصورةٍ عن الكَلِمِ

يشير إلى قتل محمَّد، فقال طاهر (١): واللهِ لقد ساءني ما ساءك، وآلَمَني ما آلمك، ولقد كنت كارهًا لما كان، غير أنَّ الحتفَ واقع، والمنايا نازلة، ولا بدَّ من القيام للخلافة بحُسن الطاعة.

ثم أقام طاهرٌ بالأهواز وبعث عمَّاله إلى كُوَرِها، وولَّى على اليَمامة والبحرين وعُمان، ثم توجَّه إلى واسِط وبها السِّنديُّ بن يحيى الحَرَشي والهيثمُ خليفةُ خُزَيمةَ بنِ خازم، فلمَّا رأيا عساكرَ طاهر -وكانا على عزم القتال- خافا فهربا، ودخل طاهرٌ واسطًا، وبعث أحمدَ بن المُهَلَّب أحدَ قوَّاده إلى الكوفة، وعليها يومئذٍ العباسُ بن موسى الهادي، فخلع العباسُ محمَّدًا، وكتب إلى طاهرٍ بالبيعة للمأمون، وقيل: إنَّ الذي كان على الكوفة من قِبَل محمَّد الفضلُ بن موسى بنِ عيسى، وكان منصورُ بن المهديِّ عاملَ محمَّد على البصرة، فكتب إلى طاهرٍ بالبيعة للمأمون، وخلع الجميع محمَّدًا في هذه السَّنة في رجب.

وسار طاهرٌ من واسطٍ يطوي المنازلَ حتى نزل جَرْجَرايا، وولَّى طاهرٌ داودَ بن عيسى بنِ موسى بن محمَّد بن عليِّ بن عبد الله بن عباسٍ مكةَ والمدينة -وقيل: إنما ولَّاه محمَّد فأقرَّه طاهرٌ على ولايته، وهو الصحيح، لما نذكر- ويزيدَ بن جرير (٢) القَسْريَّ اليمن، وبعث الحارثَ بن هشامٍ وداودَ بن موسى إلى قصر ابنِ هُبَيرَة، وسار من جَرجرايا فنزل المَدائن، فهرب عمَّال محمَّد، ثم صار منها إلى صَرْصَر، فعقد بها جسرًا.

وفيها خلع داودُ بن عيسى الأمينَ، والسببُ في ذلك أنَّ الأمين لمَّا ولي الخلافة ولَّى مكةَ والمدينةَ لداود بنِ عيسى، وعزل محمَّد بن عبد الرَّحمن المَخْزومي عاملَ الرشيد على مكَّةَ، وأقرَّه على القضاء، فأقام داود الحجَّ للناس سنةَ ثلاثٍ وتسعين، وسنةَ خمس وتسعين، فلمَّا دخلت سنةُ ستٍّ وتسعين، بلغه خلعُ عبدِ الله المأمونِ أخاه وقتلُ ابنِ ماهان.

وكان محمَّد قد كتب إلى داودَ يأمره بخلع المأمونِ والبيعة لابنه موسى بنِ محمَّد،


(١) في (خ): محمَّد، وهو خطأ، والمثبت من تاريخ الطبري ٨/ ٤٣٤.
(٢) في (خ): حرب، والمثبت من تاريخ الطبري ٨/ ٤٣٦، وابن الأثير ٦/ ٢٦٤، وتاريخ الإِسلام ٤/ ١٠٤٣.