للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قبل أن يُشخِصَه إلى العراق: [من الطويل]

أخِلَّايَ بي شَجْوٌ وليس بكم شجو … وكلُّ امرئٍ من شجو صاحبه خِلْوُ

مِنَ ايِّ نواحي الأرضِ أبغي رضاكمُ … وأنتم أناسٌ ما لمَرْضاتكمْ نحوُ

فلا حَسَنٌ نأتي به تَقبلونَه … ولا إن أسأنا كان عندكمُ عفوُ (١)

من أبيات، فقال هارون: واللهِ لئن كان أنشأها لقد أحسن، ولئن كان رواها لقد أحسن.

وَلِيَ عبدُ الملك الجزيرةَ مرتين، وأقام بالصائفة سنةَ ثلاثٍ وسبعين ومئة، وغزا الرومَ سنةَ خمسٍ وسبعين ومئة، فأخذ سبعةَ عشرَ ألفَ رأسٍ من الروم، وقال: أميرُ السرية كالمضارِب الكيِّس، إن رأى ربحًا تاجر، وإلَّا حفظ رأسَ ماله، ولا يطلب الغنيمةَ حتى يحوزَ السلامة.

ومات لهارونَ ولدٌ وولد له ولدٌ في ليلة، فدخل عليه عبدُ الملك فقال: يا أميرَ المؤمنين، آجرك اللهُ فيما ساءك، ولا ساءك فيما سرَّك، وجعل هذه بتلك جزاءً للشاكرين وثوابًا للصابرين.

وكان لعبد الملكِ لسانٌ وبيان على فأفأةٍ فيه (٢).

وقال إسحاق الموصلي: كان لجعفرِ بن يحيى يومٌ يخلو فيه بنفسه مع خواصِّه، ويَلبَس الثيابَ المُعَصْفَرات، وبلبَس ندماؤه كذلك، فجلس يومًا على مسرَّته، وقال للبوَّاب: اِحفظ البابَ إلَّا من عبد الملك بن بحران، فوقع في أذن البوابِ عبدُ الملك فقط، وبلغ عبدَ الملك بن صالحٍ جلوسُ جعفرٍ في منزله، ولم يعلم على أيِّ حال، فجاء إلى الباب، فلم يمنعْه البوَّاب ظنًّا منه أنَّه المطلوب، فدخل فرأى جعفرًا على تلك الحال، فاسودَّ وجهُ جعفر، وكان عبدُ الملك لا يشرب، وكان ذلك سببَ مَوجِدة هارونَ عليه، فلمَّا رآهم على تلك الحال، قام فخلع سَوادَه وقال: افعلوا بنا مثلَ ما فعلتم بأنفسكم، فقام جعفرٌ وأخرج له ثيابًا معصفرة، فلبسها، وقدَّم إليه رطلًا من


(١) تاريخ دمشق ٤٣/ ١٥٥، والوافي بالوفيات ١٩/ ١٦٩. والبيت الأول مطلع قصيدة لأبي العتاهية، وهي في ديوانه ص ٦٧٢.
(٢) في تاريخ الطبري ٨/ ٣٠٢: وكان لابنه عبد الرحمن، ومن طريقه في تاريخ دمشق ٤٣/ ١٦١.