للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النبيذ، فشربه وقال: واللهِ ما شربته قطّ، فلمَّا أراد الانصراف، قال له جعفر: ما حاجتُك؟ فقال: في قلب أميرِ المؤمنين مني هَنَة، فسلْه الرِّضى عني، فقال: قد رضي عنك، قال: وعليَّ أربعةُ آلاف ألفِ درهم دَين، فسله أن يقضيها عني، قال: قد قضاها عنك، قال: وابني إبراهيمُ أُحِبُّ أن يشتدَّ ظهرُه بمُصاهَرة أميرِ المؤمنين، قال: قد زوَّجه ابنتَه الغالية (١)، قال: وأحبُّ أن يخفقَ اللواءُ على رأسه، قال: وقد ولَّاه أميرُ المؤمنين مصر، فأخذ يدعو لجعفر، فقال له: هذا الذي أحاطت به مَقدرتي مكافأةً لك على صَنيعك.

قال إسحاق: وانصرف عبد الملك ونحن نعجب من إِقدام جعفرٍ على قضاء حوائجِه من غير إذنِ هارون، وقلنا: هَبْ أنه يقضي حوائجَه، فكيف بالتزويج؟! فلمَّا كان من الغد، وقفنا بباب هارون، ودخل جعفر، فلم يلبث أن دُعي بأبي يوسفَ القاضي ومحمَّد بن الحسن وإبراهيمَ بن عبد الملك، فدخل وخرج وقد خلع عليه، وعلى رأسه لواءٌ عقده هارونُ بيده على مصر، وزوَّجه ابنته، وخرجت البِدَرُ (٢) إلى عبد الملك.

قال: وخرج جعفر، فمَشَينا معه، فلمَّا خَلَونا به قال: لمَّا دخلت على أمير المؤمنين أخبرتُه بما فعل عبدُ الملك، قال: أَحسنَ والله، فما صنعتَ أنت؟ فأخبرته بما ضَمِنْتُ، فقال: أحسنت، ثم دعا بإبراهيمَ فزوَّجه ابنتَه، وولَّاه مصرَ، وقضى دَين عبدِ الملك.

وكان عبد الملك محبوسًا عند الفضل بنِ الربيع حتى مات هارون، فأطلقه محمَّد، فحلف له إنْ مات محمَّد وهو حيٌّ لا يعطي المأمون طاعةً أبدًا.

وكان يقول: واللهِ إنَّ الملك لشيءٌ ما نَويتُه قطّ، ولو أردتُه لكان أسرعَ إليَّ من الماء إلى الجذور، ومن النار إلى يَبِس العَرْفَج (٣)، وإني مأخوذٌ بما لم أَجنِ، ومسؤولٌ عما لم أعرف، ولكن لمَّا رآني هارونُ بالمُلك جديرًا، وللخلافة خطيرًا، ورأى لي يدًا تنالها إذا مُدَّت، وكفًّا تبلغها إذا انبسطت، ونفسًا تكمل بخصالها (٤)، وتستحقُّها


(١) كذا في (خ)، وفي تاريخ دمشق ٤٣/ ١٥٩، ووفيات الأعيان ١/ ٣٣١: العالية. بالمهملة، وقد سلف في ترجمة الرشيد أن من بناته: أمَّ الغالية. والله أعلم.
(٢) جمع: بَدرة: وهي عشرة آلاف درهم. مختار الصحاح (بدر).
(٣) شجر سهلي. القاموس المحيط (عرفج).
(٤) في (خ): بخلاصها، والمثبت من تاريخ دمشق ٤٣/ ١٦٤.