للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يتنفس إلا بإذني، قل له: أجب ربك فإنه واسع المغفرة، وقد أمهلك أربع مئة سنة، وفي كلها أنت مبارزه بالمعاصي وهو يمطر عليك السماء، وينبت لك الأرض، ولم تسقم ولم تهرم، ولم تفتقر ولم تُغْلَب، ولو شاء أن يسلبك ذلك فعل، ولكنه حليم ذو أناة، وجاهده بنفسك وأخيك وأنتما محتسبان بجهاده، فإني لو شئت أن آتيه بجنودٍ لا قِبَلَ له بها لفعلت، ولكن ليعلم هذا العبد الضعيف الذي أعجبته نفسه وجموعه، أن الفئة القليلة - ولا قليل معي - تغلب الفئة الكثيرة بإذني.

ولا تعجبكما زينته، ولا ما تمتع به، ولا تمدّان إلى ذلك أعينكما، فإنها زهرة الحياة الدنيا، وزينة المترفين، وإني لو شئت أن أزينكما بزينة هي أعظم من زينته، حتى يعلم أن مقدرته تعجز عن ذلك، لفعلت، ولكن أرغب بكما عن ذلك وأزويه عنكما، وكذلك أفعل بأوليائي، إني لأذودهم عن نعيمها كما يذود الراعي الشفيقُ إبلَه عن مراتع الهلكة ومبارك الغرَّة، وما ذاك لهوانهم عليَّ، ولكن ليستكملوا نصيبهم من كرامتي موفرًا سالمًا.

واعلم أنه لم يتزين العباد لي بزينة هي أبلغ من الزهد في الدنيا، فإنها زينة المتقين، عليهم منها لباسٌ يُعْرَفون به من السكينة والخشوع ﴿سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾ [الفتح: ٢٩] أولئك أوليائي حقًا، فإذا لقيتهم فذللْ لهم قلبك ولسانك، واخفضْ لهم جناحك، واعلم أن من أهان لي وليًا أو أخافه فقد بارزني بالمحاربة، وعرض نفسه للهلكة، وإني لأَسْرَعُ إلى نصرة أوليائي من الليث الحَرِب، أفيظن الذي يحاربني أنه يقوم لي، أو يظنُّ الذي يبارزني أنه يسبقني، أو يظنّ الذي يضادني أنه يعجزني أو يفوتني، كيف وأنا في الدنيا والآخرة، لا أَكِلُ نصرتهم إلى غيري (١).

قال مقاتل بن سليمان في "المبتدأ": ولما عزم موسى على قصد فرعون، قال جبريل: يا إله العالمين، أترسله وهو عريان، وعند عدوّه من العُدَد والعَدَد ما قد علمت، فقال له الله تعالى: ادخلْ الجنة وانظرْ أعظم قلنسوةٍ فيها، فأَلْبِسْهُ إيّاها، وانظر أوطأ مركب فأركبه إياه، وانظر أصرم سيفٍ فأعطه إياه، واختر له أشجع جند، فدخل


(١) انظر "كتاب الزهد" ص ٨٢ - ٨٣، و"عرائس المجالس" ص ١٨٢.