للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقولا: يا أبا الوليد، وقال السدي: ولينا له لا تَجْبَهاه بمكروه، بل عِدَاه على الإيمان مُلكًا واسعًا لا يُنزع عنه إلا بالموت.

فإن قيل: فقد قال لمحمد ﴿وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾ [التوبة: ٧٣ والتحريم: ٩] قلنا: لأن طبع سيدنا ونبينا محمد اللين واللطف، وطبع موسى على الصلابة والقوة، فقال له: ارفق بفرعون ولا تُقَرِّعهُ بين الملأ، فإن الملوك يأنفون من التوبيخ بين الناس، ولهذا قالوا: لا ينبغي لأحد أن يقابل السلطان بما يكره، بل يكتب النصائح في ورقة.

وأمر الله هارون أن يخرج من مصر فيلتقي أخاه على رحله ففعل، وقيل غير هذا، لما يذكر.

فإن قيل: فقد علم الله منه أنه لا يؤمن، فما معنى قوله: ﴿لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ [طه: ٤٤] فالجواب: إنما أراد الله تركيب الحجة عليه، لاحتمال أنه إذا رأى العذاب يقول: لا ذنب لي، فيقال له: قد أُنذرت قبل ذلك، فلا عذر لك.

رجع الحديث إلى وهب بن منبه: فقال له الله : يا موسى، إني قد أقمتك اليوم مقامًا لا ينبغي لبشر بعدك أن يقوم مقامك، أدنيتك وقرَّبتك حتى سمعتَ كلامي، وكنتَ بأقرب الأمكنة مني، فانطلق برسالتي فإنك بعيني وسمعي، وإن معك يدي وبصري، فأنت جند عظيم من جنودي، بعثتك إلى خلق ضعيف من خلقي، بطر نعمتي، وأمِن مكري، وغرَّته الدنيا، حتى جحد حقي وأنكر ربوبيتي، وعُبد دوني، وزعم أنه لا يعرفني، وإني أقسم بعزتي، لولا العذر والحجة اللذان وضعت بيني وبين خلقي لبطشت به بطشة جبار يغضب لغضبه السماوات والأرض والجبال والبحار، فإن أمرتُ السماوات حصبته، وإن أمرت الأرض ابتلعته، وإن أمرت الجبال دمَّرته، وإن أمرت البحار غرَّقَتْه، ولكن هان عليَّ وسقط من عيني، ووسعه حلمي، وحُق لي، أنا الغني لا غنيَّ غيري، فبلِّغه رسالتي، وادعه إلى عبادتي وتوحيدي، وذكِّره بأيامي (١)، وحذَره نقمتي وبأسي، وأخبره أني إلى العفو والمغفرة أسرع مني إلى الغضب والعقوبة.

ولا يرعك ما ألبَسْتُهُ من لباس الدنيا، فإن ناصيته بيدي، ليس يطرف ولا ينطق ولا


(١) في (ب): "بآياتي".