للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في كلِّ يوم، وهو يحرق ويخرب ويهدم ما قدر عليه من القناطر وغيرِها.

وفيها كانت على طاهرٍ وقعةٌ عظيمة بقصر صالح، لمَّا ضايق طاهرٌ بغداد، صابرها حتى ملَّ أهلُها من قتاله، وكان الأمينُ قد وكَّل بالجسور من ناحية قصر صالحٍ عليَّ بن فراهمرد، وعلى الجسور المجانيق والعرَّادات، فاستأمن عليٌّ إلى طاهر، وسلَّم إليه الجسورَ وما عليها، وبعث إليه الجندَ من أصحابه، وذلك ليلةَ السبت النصفَ من جُمادى الآخرة، ثم استأمن إلى طاهرٍ محمَّد بن عيسى صاحبُ شرطة محمد، وكان قد استظهر على طاهرٍ بأهل السُّجونِ والشُّطَّار، فلمَّا استأمن هذان أيقن محمَّد بالهلاك واستسلم، وجاء فوقف على باب قصرِ أمّ جعفر، وجاء طاهرٌ وأصحابه، وغضب لمحمَّد الشطارُ والعيَّارون (١)، فقاتلوا عنه داخل قصرِ صالح إلى ارتفاع النهار، فقتلوا أعيانَ أصحابِ طاهر، منهم الباذَغِيسيُّ وجماعةٌ من القواد، ورجع طاهرٌ بمن بقي معه مُنهزمين، ولم يكن على طاهرٍ وَقْعةٌ أشدُّ منها، قُتل معظم أصحابِه وجُرح البعض، وسُرَّ محمَّد، وفرَّق في الشطَّار أموالًا، فقال الخَليع: [من مجزوء الوافر]

أمينَ الله ثِقْ باللـ … ــــه تُعْطَ الصَّبرَ والنُّصْرَهْ

كِلِ الأمرَ إلى الله … كَلاكَ اللهُ ذو القُدره

لنا النَّصرُ بعَوْن اللـ … ــــهِ (٢) والكَرَّةُ لا الفَرَّه

وللمُرَّاق أعدائـ … ك يومُ السَّوء والدَّبْره

وكأسٌ تَلْفِظُ المَوتَ … كَريهٌ طَعْمُها مُرَّه

سُقينا وسَقيناهمْ … ولكنْ بهم الحَرَّه

كذاك الحربُ أحيانًا … علينا ولنا مرَّه

ولما تمَّ على طاهرٍ ما تمّ، كاتب القوَّاد والهاشميين، فلحق به جماعة، منهم عبدُ الله بن حُمَيد بن قَحْطَبة الطائي وإخوتُه، وولد الحسنِ بن قحطبة، ويحيى بنُ عليِّ بن


(١) العيار: الكثير المجيء والذهاب، والذكي الكثير التطواف. وقال ابن الأعرابي. والعرب تمدح بالعيار وتذم به، يقال: غلام عيار: نشيط في المعاصي، وغلام عيار: نشيط في طاعة الله ﷿. القاموس والتاج (عير).
(٢) في (خ): لنا العون بنصر الله، والمثبت من تاريخ الطبري ٨/ ٤٥٥، ومروج الذهب ٦/ ٤٥٨، وفي الأغاني ٧/ ٢٠٧: لنا النصر بإذن الله.