للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ماهان، وغيرهم. وأقبل محمَّد بعد وقعة طاهرٍ على اللهو والشرب، وفوَّض أموره إلى محمَّد بن عيسى بن نَهيك وإلى الهِرْش (١)، يحفظا الأبواب والفُرَض (٢) والأرباضِ وسوق الكَوْخ وما والاها.

وفيها كانت وقعةُ الشمَّاسِيَّة، كان هَرْثَمَةُ كارهًا لحرب محمَّد، وكان يأتي أحيانًا فيقف بباب خُراسانَ، فيَشتُمه الجُندُ وأهل العسكر، وكان الأمينُ قد قدَّم على العُراة والشطَّار حاتمَ بن الصَّقْر، فبيَّت عُبيد الله بن الوضَّاح ليلًا، فانهزم وترك خيلَه وسلاحَه ومتاعه، فنهبه حاتمٌ والعُراة، فأقبل هَرْثَمَةُ في نُصرته، ونشبت الحرب، فأسمر رجلٌ من العراة هَرْثَمَةَ ولم يعرفه، فحمل بعضُ أصحاب هَرْثَمَةَ على الرجل، فقطع يدَه وخلَّصه منه، فانهزم هَرْثَمَة، ومضى أصحابُه إلى طريق حُلوانَ مُنْهَزمين، وحال بين هَرْثَمَةَ وأصحابِ محمَّد الليلُ عن الطلب، ولم يرجع إلى هَرْثَمَةَ أصحابُه إلَّا بعد يومين.

وقوي الشطَّار بما أصابوا من مال هَرْثَمَةَ وابنِ الوضَّاح، وبلغ طاهرًا، فاشتدَّ ذلك عليه، وعقد جسرًا فوق الشمَّاسية على دجلة، وكان قد استولى على بغدادَ، وقطع القَنْطَرَتين اللتين على الصَّراة بباب البصرة، ثم وجَّه أصحابه فعبروا إلى الشماسية على الجسر، وقاتلوا أصحابَ محمَّد قتالًا شديدًا، فأزالوهم عن الشماسية، وعاد إليها جندُ هَرْثَمَة، وأحرقوا لمحمَّد بالشماسية قُصورًا غَرِم عليها عشرين ألفَ ألفِ درهم، وبلغ محمَّدًا فشقَّ عليه، وقال أو قيل على لسانه: [من الوافر]

مُنيتُ بأشْجَعِ الثَّقَلَينِ قَلْبًا … تزول له الجبالُ ولا يزولُ (٣)

فليس بمُغْفِلٍ أمرًا عَناه … إذا ما الأمرُ ضَيَّعه الغَفول

له مع كلِّ ذي بَدَنٍ رَقيبٌ … يُشاهدُه ويَعلَمُ ما يقول

إذا ما الرَّأيُ قَصَّر عن أُناسٍ … فرأيُ الأعورِ الباغي يَطولُ

يعني طاهرًا.


(١) في (خ): الهراس، والمثبت من تاريخ الطبري ٨/ ٤٥٦، وابن الأثير ٦/ ٢٧٣، وتاريخ الإِسلام ٤/ ١٠٤٦.
(٢) في تاريخ الطبري: فرض دجلة. وفرضة النهر: ثلمته التي يستقي منها. مختار الصحاح (فرض).
(٣) في زهر الآداب ١/ ٥٤١: تزول الراسيات وما يزول، وفي تاريخ الطبري ٨/ ٤٦٧، والبداية والنهاية ١٤/ ٩٧: إذا ما طال ليس كما يطول.