للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سنةً دعاني أبي فقال: يا سفيان، قد انقطعت عنك شرائعُ الصّبا، فاحتفظ بالخير تكن من أهله، ولا يَغُرَّنك من اغترَّ بالله فمدحك بما تعلم خلافَه منك؛ فإنَّه ما من أحدٍ يقول في أحدٍ من الخير إذا رضي إلَّا وهو يقول فيه من الشرِّ مثل ذلك إذا سَخط، فاستأنس بالوحدة من جلساءِ السوء، ولن يسعدَ بالعلماء إلَّا مَن أطاعهم. قال: فجعلتُ وصيةَ أبي نُصبَ عيني.

وقال النَّضر الهِلاليّ: كنت (١) في مجلس ابنِ عيينة، فدخل صبيٌّ إلى المسجد، فتهاونوا به لصغر سِنِّه، فقال سفيان: ﴿كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيكُمْ﴾ [النساء: ٩٤]. ثم قال لي: يا نضر، لو رأيتني ولي عشرُ سنين، طولي خمسةُ أشبار، ووجهي كالدِّينار، وأنا كشعلة نار، ثيابي صِغار، وأكمامي قصار، وذيلي بمقدار، ونعلاي كآذان الفار، اختلف إلى علماءِ الأمصار، مثل الزُّهريِّ وعَمرو بن دينار، أجلس بينهم كالمسمار، مِحبرتي كالجوزة، ومقلَمتي كالموزة، وقلمي كاللَّوزة، فإذا دخلت المجلسَ قالوا: وسِّعوا للشيخ الصغير. ثم تبسم ابن عيينةَ وضحك.

وقال بِشْر بن مَطَر (٢): كنَّا على باب سفيانَ بن عُيينة، فجاءت طائفةٌ فدخلوا، وطائفة فدخلوا، فصحنا وقلنا: يدخل أصحابُ الدنانير والدراهمِ ونُمنع ونحن الفقراءُ وأبناء السبيل؟! فخرج إلينا سفيانُ وهو يبكي وقال: قد أصبتم مقالًا، هل رأيتم صاحبَ عيالٍ أفلح؟ ثم أُعلمكم أني كنت أُوتيت فهمَ القرآن، فلما أخذت مال أبي جعفرٍ مُنعت.

[وروى الخطيب (٣) عن سفيانَ أنَّه قال:] رأيت (٤) كأنَّ أسناني كلَّها سقطت، فذكرت ذلك للزُّهري، فقال: تموت أسنانُك وتبقى أنت، فكان كما قال.


(١) في (ب): وروي عن عمار بن علي اللوري يقول: سمعت أحمد بن النضر الهلالي يقول: سمعت أبي يقول: كنت، والمثبت من (خ)، والخبر في المنتظم ١٠/ ٦٧، والسير ٨/ ٤٥٩.
(٢) في (خ): مطير، والمثبت من المنتظم ١٠/ ٦٧.
(٣) في تاريخه ١٠/ ٢٤٩.
(٤) في (خ): وقال سفيان: رأيت.