للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وروى ابنُ سعد عنه أنه قال:] (١) أوَّل ما جالست من الناس، عبدُ الكريم أبو أميةَ وأنا ابنُ خمس عشرةَ سنة، ومات في سنة ستٍّ وعشرين ومئة، وحججت سنةَ ستَ عشرةَ ومئة، ثم سنةَ عشرين ومئة، وذهبت إلى اليمن سنةَ خمسين ومئة، وسنةَ اثنتين وخمسين، ومَعْمر حيّ، وذهب الثوريُّ قبلي بعام، وجاءنا الزهريُّ إلى مكةَ مع ابن هشامِ بن عبد الملك سنةَ ثلاثٍ وعشرين ومئة، وسألته وسعدُ بن إبراهيمَ عنده فلم يُجبني في الحديث، فقال له سعد: أَجب الغلامَ عمَّا سألك، فقال: أما أنا سأعطيه حقَّه، قال سفيان: وأنا يومئذ ابنُ ستّ عشرةَ سنة.

وقال: مَن زيد في عقله نَقَص من رزقه بقَدْر ذلك. وقال: أرفعُ الناس منزلةً مَن كان بين الله وبين عباده، وهم الأنبياءُ ثم العلماء.

وقال حَرمَلَة بنُ يحيى: أخذ سفيانُ بيدي فأتى مني ناحية، وأخرج من كُمِّه رغيفَ شعير وقال: هذا قُوتي منذ ستِّين سنة، فدعْ ما يقول الناس.

[وحكى أبو نعيم (٢) عن] منصور بنِ عمارٍ [قال (٣)]: تكلَّمت في مجلسٍ فيه سفيانُ بن عيينة وابنُ المبارك وفُضيل بن عياض، فأما ابن المبارك فسالت دموعه، وأما الفضيل فانتحب، وأما ابن عيينةَ فتغرغرت عيناه، ثم نشف دموعَه بكمه (٤). فلما انقضى المجلسُ قلت لابن عيينة: يا أبا محمَّد، ما منعك أن يجيءَ منك مثل ما جاء من صاحبك؟! فقال: هذا أَكمَدُ للحزن، إنَّ الدمعَ إذا خرج استراح القلب.

وكان سفيان يتمثَّل لما أسنّ: [من الوافر]

يُعَمَّر واحدٌ فيَغرُّ قومًا … ويُنسى من يموت من الصغارِ (٥)

و [قال أبو نعيم:] (٦) كان [سفيانُ] يقول: إذا كان نهاري نهارَ سفيهٍ وليلي ليلَ


(١) في (خ): وقال سفيان، والمثبت من (ب)، والخبر في طبقات ابن سعد ٨/ ٥٩.
(٢) في الحلية ٧/ ٣٠٢.
(٣) في (خ): وقال منصور بن عمار.
(٤) في حلية الأولياء: ثم نشفتا من الدموع.
(٥) حلية الأولياء: ٧/ ٢٧٧، وصفة الصفوة ٢/ ٢٣٤.
(٦) في الحلية ٧/ ٢٧١. وما بين حاصرتين من (ب).