للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليِّ بن أبي طالب، ويقال له: الأفطس (١)، وبعث إلى المدينة محمد بن سليمانَ بنِ داود بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وكان على مكةَ والمدينةِ داودُ بن عيسى بنِ موسى بن محمَّد بن عليّ.

فأما محمَّد بنُ سليمان، فدخل المدينةَ ولم يقاتلْه أحد، وأما حسين بنُ حسن، فإنَه لمَّا قرب من مكةَ توقَّف عن الدخول، لأجل داودَ بن عيسى ومَن فيها من الأشراف والجند، وكان داودُ لما بلغه وصولُ حسين بنِ حسن، جمع العبيدَ ومواليَ بني العباس، وكان مَسرورٌ (٢) الكبير قد حجَّ في هذه السنة ومعه مئتا فارسٍ من أصحابه، فقال مسرورٌ لداود: قف لأرى شخصَك، أو أَقِم بعضَ ولدك وأنا أكفيك قتالهم، فقال داود: لا أستحلُّ القتال في حَرَم الله، ولئن دخلوا من هذا الفجِّ لأخرجنَّ من الفجِّ الآخرَ، فقال مسرور: تسلِّم سلطانَك وملكك إلى عدوِّك؟! فقال: وأيُّ ملك إليّ، واللهِ لقد أقمتُ معهم حتى شِخت، فما ولَّوني ولايةً حتى كبرت سنِّي وفني عمري، فولَّوني الحجازَ وليس فيه قُوت، وإنَّما هذا الملكُ لك ولأمثالك، فقاتِلْ إن شئت أو دَعْ.

وانحاز داودُ من مكةَ إلى ناحية المُشاش، وشدَّ أثقاله على الإبل واستقبل بها طريقَ العراق، وافتعل كتابًا من المأمون بتولية ابنه محمَّد بن داودَ على صَلاة الموسم، وقال له: اخرج فصلِّ بالناس الظهرَ والعصر والمغربَ والعشاء بمِنى، وبِتْ بها، وصلِّ بالناس الفجر، ثم انطلق إلى طريق عَرَفة، وخذ على يسارك في شعب عَمرٍو (٣) حتى تأخذَ على طريق المُشاش، والحقني ببستان بني عامر، ففعل محمَّد ذلك ولم يقف بعرفة.

وافترق الجمعُ الذين كان داودُ قد جمعهم من الموالي والعبيد، وخشي مسرورٌ إنْ قاتل الطالبيين أن يميلَ معهم أكثرُ الناس، فلحق بداودَ إلى بستان بني عامر ولم يقف بعرفة، فلمَّا زالت الشمس تدافع قومٌ من أهل مكةَ الصلاة، وقال الناسُ لمحمَّد بنِ عبد الرَّحمن المخزوميِّ قاضي مكة: تقدَّم فاخطب وصلِّ بالناس الظهرَ والعصر، فإنَّك قاضي البلد، فقال: قد هرب الإِمام، فلمن أدعو والطالبيُّون قد أطلوا علينا؟! وقالوا:


(١) الأفطس لقب والده الحسن، كما في المصادر، وما بعدها إلى الترجمة التالية ليس في (ب).
(٢) في (خ): مسور في الموضعين، والمثبت من المصادر.
(٣) في (خ): عمر، والمثبت من تاريخ الطبري ٨/ ٥٣٢، وتاريخ الإِسلام ٤/ ١٠٥٨.