للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ابن الوليد النَّاقص، وكان قَدْرُ ما خلف أسباط مئةَ ألف درهم، لم يأخذْ منها يوسفُ درهمًا، وكان يقوله: أهل مِلَّتين لا يتوارثان.

وكان يوسفُ يَطْحَن الشعير بيده فيأكل منه، ويَسُفُّ الخوصَ ويبيعه، ويفطر على ثمنه، فإذا نَفِد الشعير والخُوص استفَّ التراب. وكان يغزو ولا يأخذ من المَغْنَم شيئًا، ولم يأخذ من تَرِكة أبيه، ويقال: إنَّه أخدْ مصحفًا، وكان يقول: في قلبي منه شيء. وصحب سفيانَ الثوريَّ وانتفع بصحبته.

وحكى أبو نُعيم (١) عنه أنَّه قال: لي أربعون سنةً ما ملكت قميصين. قال: وخرجت من شيحَ راجلًا إلى المِصِّيصة وجِرابي في عنقي، فدخلتها، فقام هذا من حانوته وقام هذا، فجعلوا يُسلِّمون علي، ودخلت المسجد، فأحدقوا بي، فقلت في نفسي: وكم بقاءُ قلبي على هذا، فرجعت إلى شيحَ، فما عاد قلبي إليَّ سنتين.

وحكى أبو نعيمٍ عنه أنَّه قال: عجبتُ كيف تنام عينٌ مع المخافة أو تغفل (٢). وقال: خلق اللهُ القلوبَ مساكنَ الذِّكر، فصارت للشَّهوات، ولا يمحو الشهواتِ عنها إلا خوفٌ مزعج، أو شوقٌ مُقلق.

وقال: الزُّهد (٣) في الرئاسة أشدُّ من الزهد في الدنيا، ولي أربعون سنةً ما حكَّ صدريَ شيءٌ إلا تركته. وقال: أخاف أن يعذِّبَ اللهُ الناسَ بذنوب العلماء. وقال: قد رُفع الصدق من الأرض.

وقال أبو نُعيم (٤): استأذن عبدُ الله بن المبارك على يوسفَ بنِ أسباطَ فلم يأذن له، وقال: أخاف ألا أقومَ بحقِّه ولا أفي بذلك، فآثم. وقال يوسف: إذا رأيتَ الرجلَ قد أَشِر وبَطِر فلا تَعِظْه؛ فليس فيه للوعظ مَطْمَع. وقال: إنَّ الدنيا لم تُخلَق لينظرَ إليها، بل ليُنْظَرَ بها إلى الآخرة.

وقال: وكان الفضيلُ بن عياضٍ يقول: ما بقي شيءٌ أتمنَّاه على ربِّي إلا خروجي إلى


(١) في حلية الأولياء ٨/ ٢٤٤.
(٢) انظر الأثر في حلية الأولياء ٨/ ٢٣٨.
(٣) في (ب): الزاهد، والتصويب من الحلية ٨/ ٢٣٨.
(٤) في الحلية ٨/ ٢٣٩.