للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذِكر طَرَفٍ من أخباره:

قال ابن مُناذر: دخل سليمانُ بن المنصورِ على الأمين، فرفع إليه أن أبا نُواس هجاه وأنَّه زنديق، وأنشده من أشعاره المنكرة، فقال: يا عمّ، أَقتلُه بعد قوله: [من الكامل]

أُهدي الثناءَ إلى الأمين محمَّد … ما بعده بتجارةٍ مُتَرَبِّصُ

صَدَقَ الثناءُ على الأمين محمَّد … ومن الثناء تَكذُّب وتَخَرُّص

قد يَنْقُص القمرُ المُنيرُ إذا استوى … هذا ونورُ محمَّد لا يَنْقُص

وإذا بنو المنصورِ عُدَّ حَصَاهمُ … فمحمَّد ياقوتُها المُتَخَلَّص (١)

فغضب سليمانُ وقال: واللهِ لو (٢) شكوتُ من عبد الله -يعني [ابن] الأمين (٣) - ما شكوتُ من هذا الكافر، لوجب أن تعاقبَه، فكيف منه! [فقال:] يا عمّ [فكيف] أعملُ بقوله:

قد أصبح المُلْكُ بالمُنى ظَفِرا … كأنَّما كان عاشقًا قَدِرا

حسبُك وجهُ الأمين من قمرٍ … إذا طوى الليلُ دُوْنَك القمرا

خليفةٌ يَعتني بأمَّته … وإنْ أتَتْهُ ذُنُوبُها غَفَرا

حتى لو اسْطَاع من تَحَنُّنه … دافع عنها القضاءَ والقَدَرا

فازداد سليمانُ غيظًا، فقال: يا عمّ، كيف أَصنعُ بقوله: [من المديد]

يا كَثيرَ النَّوْحِ في الدِّمَنِ … لا عليها بل على السَّكَنِ

سُنَّة العُشَّاق واحدةٌ … فإذا أحبَبْتَ فاسْتَنِنِ

ظنَّ بي مَن قد كَلِفتُ به … فهو يَجْفوني على الظِّنَن

تَضْحك الدُّنيا إلى مَلِكٍ … قام بالآثار والسُّنن

سنَّ للناس النَّدى فنَدُوا … فكانَّ البخلَ لم يكن

يا أمينَ الله عِشْ أبدًا … دُمْ على الأيَّام والزَّمن

أنت تبقى والفَناءُ لنا … فإذا أفنيتَنا فكن


(١) ديوان أبي نواس ص ٣٩٨، وتاريخ بغداد ٤/ ٥٤٥، والمنتظم ١٠/ ١٧.
(٢) في (خ): لقد، والمثبت من الصادر.
(٣) ما بين معكوفين من تاريخ بغداد.