للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقال له محمد: فإن شربتها بعدها؟ فقال: دمي لك حَلال، فأطلقه، فكان أبو نواس يَشَمُّها ولا يَشْربها.

وفي رواية الطبري أيضًا: رفع إلى محمد أن أبا نواس يشرب الخمر، فطبق به محمد المُطْبِق، فأقام مدةً، وكان الفضل بن الربيع يَستعرض أهلَ السُّجون وَيتَفَقَّدُهم (١)، فدخل صاحبه حَبْس الزَّنادقة، فرأى أبا نواس ولم يكن يعرفه، فقال له: يا شاب، أنت مع الزنادقة؟ فقال: مَعاذ الله، قال: فلعلك ممَّن يَعبد الكَبْش؟ فقال: أنا آكل الكبش بصوفه، فقال: لعلك ممَّن يَعبد الشمس؟ قال: لا، إني لأتجنَّب القُعود فيها بُغضًا لها، قال: فبأيِّ جُرْمٍ حُبستَ؟ قال: في تهمة أنا منها بريء، قال: ليس إلا هذا؟ قال: نعم، فأخبر الفضل، فأمر بإحضاره، واستتابه عن شرب الخمر والذكران (٢) فبعث إليه فِتيان من قريش، فحضر عندهم، فعَزموا عليه الشُّرب، فقال: لا والله، فلما دارت الكأس بينهم جعل يَشَمُّها ويقول:

أيُّها الرَّائحانِ باللَّوم لوما … لا أذوقُ المُدامَ إلا شَميما

نالني بالمَلام فيه إمام … لا أرى لي خلافه مُسْتَقيمًا

فاصرفاها إلى سواي فإني … لستُ إلا على الحَديثِ نَديما

من أبيات.

[وحكى أيضًا] عن أبي الوَرْدِ السبعي أنَّه قال: كنت عند الفضلِ بن سَهْل (٣)، فذكر الأمينَ وقال: كيف لا يُستحل قتالُ [محمَّد] وشاعره أبو نُواسٍ يقول في مجلسه: [من الطويل]

ألا فاسْقِني خَمْرًا وقُلْ لي هي الخمرُ … ولا تسقني سرًّا إذا أمكن الجَهْرُ

ولا تسقِيَنْ منها المُرائين قَطْرةً … فإنَّ رياءَ الناس عندي هو الكفر (٤)


(١) في تاريخ الطبري ٨/ ٥١٦ أن الذي كان يستعرض السجون خال الفضل بن الربيع.
(٢) في الطبري: عن شرب الخمر والسكر.
(٣) في (ب): عن ابن أبي الزراد الشيعي أنه قال: كنا عند الفضل بن سهل، وفي (خ): وقال ابن أبي الزراد كنا عند الشعبي كنا عند الفضل بن سهل، والمثبت من تاريخ الطبري ٨/ ٥١٧.
(٤) هذا البيت ليس في الديوان، ولم نقف عليه في الصادر، وفي تاريخ الطبري البيت الأول فقط.