للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فاغْدُ فما في الدِّين أُغْلُوطةٌ … ورُح بما أنت له رائح

وقال مَسْعود بن بِشْر: لقيتُ ابنَ مُناذرٍ بمكة، فقلت: مَن أشعرُ الناس؟ فقال: مَن إذا شَبَّب كَعَب -يعني ذَكَرَ الكواعب- وإذا أخذ فيما قصد له جَدّ، قلت: مثلُ مَن؟ قال: جريرٌ حيث يقول: [من الكامل]

إنَّ الذين غَدَوا بلُبِّك غادروا … وَشَلًا بعَينك لا يَزال مَعينا

غَيَّضْن من عَبراتهنَّ وقُلْن لي … ماذا لَقِيتَ من الهوى ولقينا

ثم قال حين جدَّ:

إنَّ الذي حَرَمَ الخلافةَ (١) تغلبًا … جعل الخلافةَ والنُّبَّوة فينا

مُضَرٌ أبي وأبو الملوك فهل لكمْ … يا خُزْرَ (٢) تَغْلِبَ من أبٍ كأبينا

هذا ابن عمِّي في دمشقَ خَليفةٌ … لو شئتُ ساقَكُمُ إليَّ قَطينا

ثم قال: ومِن هؤلاء المُحْدَثين هذا الخبيث -يعني أبا العَتاهِيَة- الذي يتناول الشِّعر مِن كُمِّه، حيث يقول: [من المنسرح]

اللهُ بيني وبين مَولاتي … أبْدَتْ ليَ الصَّدَّ والمَلالاتِ

مَنَحْتُها مُهْجَتي وخالِصَتي … فكان هِجْرانُها مُكافاتي

أقلقني (٣) حبُّها وصيَّرني … أُحدوثةً في جميع حالاتي

ثم جدَّ فقال:

ومَهْمَهٍ قد قطعتُ طامِسَه … قَفْرٍ على الهول والمَخافات

ببَكْرةٍ جَسْرةٍ عُذافِرةٍ … خَوْصاءَ عَيرانَةٍ عَلَنْداة (٤)

تُبادر الشمسَ كلَّما طَلعت … بالسَّير تبغي بذاك مَرضاتي

يا ناقُ سيري بنا ولا تَعِدي … نفسَك ممَّا تَرَينَ راحات


(١) في ديوان جرير ١/ ٣٨٧: المكارم.
(٢) جمع أخزر: وهو الذي في عينيه ضيق وصغر، وهذا وصف العجم، فكأنه نسبه إلى العجم وأخرجه عن العرب، وهو عند العرب من النقائص الشنيعة. قاله محقق الديوان.
(٣) في (خ): أقلني، والمثبت من تاريخ بغداد ٨/ ٤٨٥، وفي تكملة الديوان ص ٥٠٦: هيمني.
(٤) هذا البيت وصف للناقة، فالعذافرة: العظيمة الشديدة، ومثله العلنداة، والخوصاء: غائرة العينين في ضيق وصغر، والعيرانة: الناجية: في نشاط.