للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تقرئي؟! خذي الثوبَ وردِّي المصحف [فلمَّا رآها لا تجيبه، سعى إليها فأخذ المصحف] (١) وترك الثوب.

و [روى أبو نُعيم (٢) عنه أنه] اجتاز بسقَّاء يقول: رَحِمَ اللهُ مَن شرب، فشرب معروف، فقيل له: ألست صائمًا؟! قال: بلى، ولكن رجوت دعاءه.

[وروى ابنُ جَهضمٍ عنه قال: رأيت في البادية شابًّا حسنَ الوجه، له ذؤابتان، على رأسه رداءُ قصب، وعليه قميص كتَّان، وفي رجلَيه نعلان طاق، قال معروف: فعجبت منه ومن زِيِّه في ذلك المكان، فسلَّمت عليه، فرد، فقلت: من أين؟ قال: يا عمّ، من مدينة دمشق، فقلت: متى خرجتَ منها؟ قال: ضحوةَ النهار (٣)، قال معروف: فازددت تعجُّبًا، وكان بينه وبين الشامِ مراحلُ كثيرة، قلت: وأين المَقْصِد؟ قال: مكَّة، فعلمت أنَّه محمول، فودَّعته ومضى، ولم أره إلَّا بعد ثلاثِ سنين، فلما كان ذلك اليومُ وأنا في منزلي أتفكَّر في أمره، إذا بداقٍّ يدقُّ الباب، فخرجت إليه، وإذا بصاحبي، فسلَّمت عليه ورحَّبت به وأدخلته المنزل، فرأيته والهًا تالفًا، عليه زُرْمانِقة (٤)، حافيًا حاسرًا، فقلت له: ما الخبر؟ فقال: يا أستاذ، لاطَفَني حتى أدخلني الشبكةَ فرماني، فمرةً يلاطفني ومرةً يتهدَّدني، ومرة يُجيعني ومرة يُكرمني، فليته أَوقفني على بعض أسرارِ أوليائه، ثم لْيفعل ما شاء.

قال معروف: فأبكاني كلامُه، فقلت: حدِّثني بالذي فعل بك منذ فارقتني، فبكى وقال: جوَّعني ثلاثين يومًا، ثم جئت إلى قرية فيها مِقْثَأة، وقد نبذوا منها المُدَوِّد وطرحوه، فأقعد فآكل منه، فبصر بي صاحبُ المِقثأة، فأتى إليَّ يضربني ويقول: يا لصّ، ما خرَّب مقثأتي غيرُك، كم أنا أُبصرك (٥) حتى وقعتُ بك! فبينما هو يضربني، إذا بفارسٍ أقبل مسرعًا، فقصده وقلب السَّوطَ في رأسه وجعل يضربه ويقول: يا عدوَّ الله،


(١) ما بين حاصرتين من (ب).
(٢) في الحلية ٨/ ٣٦٥. وما بين حاصرتين من (ب).
(٣) في (ب): نهار، والمثبت من تاريخ دمشق ١٩/ ٣٦٥ (مخطوط)، والتوابين ص ٢٨٩.
(٤) جبة صوف. مختار الصحاح (زرمق).
(٥) في المصدرين: أرصدك.