للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فرعون، ثم اخبزوا فطيرًا، فإنه أسوغ لكم، ثم أَسْرِ بعبادي حتى تنتهي إلى البحر، فقف هناك، حتى يأتيك أمري، ففعل.

فلما أصبحوا قال فرعون: هذا عمل موسى وقومه، أخذوا أموالنا، وقتلوا أبكارنا، ثم أرسل ﴿فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ﴾ [الشعراء: ٥٣] فلما اجتمع الناس والسحرة، قال: ﴿إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ﴾ [الشعراء: ٥٤] والشرذمة بقية القليل. قال ابن مسعود: وكانت هذه الشرذمة ست مئة ألف وسبعين ألفًا (١).

وقال الجوهري: الشرذمة الطائفة من الناس، والقطعة من الشيء (٢).

﴿وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ﴾ [الشعراء: ٥٥] أي: أعداء، لمخالفتهم ديننا، وقتلهم أبكارنا، وأخذهم أموالنا التي استعاروها، وخروجهم من أرضنا بغير إذن منا ﴿وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ﴾ [الشعراء: ٥٦] قال الفراء: يعني عظامًا من كثرة الأسلحة، ومنه قيل للعين العظيمة: حَدْرَة (٣). ﴿فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ﴾ [الشعراء: ٥٧] ﴿وَكُنُوزٍ﴾ قال مجاهد: سماها كنوزًا لأنها لم تنفق في سبيل الله وطاعته ﴿وَمَقَامٍ كَرِيمٍ﴾ [الشعراء: ٥٨] أي مجلس حسن ﴿كَذَلِكَ﴾ كما وصفنا ﴿وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ [الشعراء: ٥٩] ﴿فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ﴾ [الشعراء: ٦٠] أي: لحقوهم وقت إشراق الشمس.

وروى عكرمة عن ابن عباس، قال: خرج موسى في ست مئة ألف، وعشرين ألفًا، لا يَعُدُّون ابن العشرين لصغره، ولا ابن السبعين لكبره. وأمر الله موسى أن يأمر قومه أن يوقدوا المصابيح في بيوتهم إلى الصبح، وأخرج الله كل ولد زنا في القبط من بني إسرائيل إليهم، وأخرج كل ولد زنا في بني إسرائيل من القبط إلى القبط (٤)، كل واحد منهم إلى أبيه. ودعا موسى عليهم حين خرج، فقال: ﴿رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ﴾ [يونس: ٨٨] فصارت دراهمهم ودنانيرهم وحبوبهم حجارة، حتى العدس والقمح والحمص والجوز وغير ذلك. ثم ألقى على القبط الموت، فاشتغلوا بدفن موتاهم عن


(١) انظر "عرائس المجالس" ص ١٩٨.
(٢) "الصحاح": (شرذم).
(٣) تفسير الثعلبي ٧/ ١٦٥، وقراءة حادرون بالدال شاذة، قرأ بها ابن أبي عمار ومحمد بن السميفع وسميط بن عجلان، انظر المحتسب ٢/ ١٢٨، وشواذ ابن خالويه ١٠٦.
(٤) كذا في (ب) و"الطبري" ١/ ٤١٤، وفي المطبوع "كل ولد رُبِّيَ".