للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

طلب بني إسرائيل. وأُخبر فرعون بخروجهم آخر الليل فقال: لا يتبعهم أحد حتى يصيح الديك، فما صاح تلك الليلة ديك. ثم ضرب الله على بني إسرائيل الطريقَ في الليل، فلم يدروا كيف يذهبون، فقال موسى: ما منعنا إلا تابوت يوسف لندفنه في البيت المقدس عند آبائه الأنبياء، وما أُتينا إلا من قبله.

حدثنا أبو اليمن زيد بن الحسن بإسناده عن أبي بردة بن أبي موسى، عن أبيه، قال: مرَّ رسول الله بأعرابي فأكرمه، فقال له: "تَعَاهَدْنَا" قال: فأتاه، فقال: "اسأل حاجتك" فقال: ناقة برحلها، وأجير يحلبها، فقال له رسول الله : "أَعَجَزتَ أنْ تَكُونَ مِثلَ عَجُوزِ بني إسرائيلَ؟ " فقال له أصحابه: يا رسول الله، وما عجوزُ بني إسرائيل؟ فقال: "إنَّ مُوسى لما أرادَ السَّيْر ببني إسرائيلَ ضلَّ عن الطَّريقِ، فقال لعُلَماء بني إسرائيلَ: ما هذا؟ قالوا: نحنُ نُخبرُك: إنَّ يوسُفَ لما حضَرهُ الموتُ أخَذَ مَواثيقَ بني إسرائيلَ أنْ لا يخرجُوا من مِصر حتى يُخرِجُوا عِظامَه معَهُم، فقالَ موسى: أيُّكُم يَدْرِي أينَ قبرُه؟ قالوا: ما يَعلَمُ ذلكَ إلا عجوزٌ من بني إسرائيلَ، فأرسَلَ إليها فجَاءَت، فسَألَها فقالت: واللهِ لا أخبِرُك حتى تُعطِيني حُكْمِي، قالَ: وما حُكْمُك؟ قالت: تأخذُني مَعَك وأكُون رفيقَتَك في الجنَّة، قال: نعم. وفي رواية: "فقَامَ مُوسى مِن بين بني إسرائيلَ يقولُ: أنشُدُ الله مَن عَرفَ موضعَ قَبرِ يُوسُف، فلَم يسمع صوتَه أحدٌ إلا العجوز، وقالَت له: أريدُ مِنك أنْ تَحمِلَني مَعك، فحمَلَها، قالَت: وفي الآخرةِ لا تدخلْ غرفةً من غرف الجنة إلا وأنا مَعك، فقال: نعم. وسَأَل اللهَ موسى تأخيرَ طلوعِ الفَجرِ لهذا السبب، فأتَتْ إلى مُسْتَنْقَع ماءٍ، فقالَت: انضُبوا هذا الماء فنَضَبُوه، فقالت: احفرُوا ها هنا، فحفرُوا فبدَا تابوتٌ مِن مَرْمَرٍ مدْفُون بأرضِ النِّيل، كانوا يتبرَّكون به. فلما أقلُّوه بانَ لهم الطريقُ مثل ضوءِ النَّهار (١).

وقال ابن الكلبي: كانت هذه العجوز من ولد إسحاق، وقيل: من ولد يعقوب، عاشت أربع مئة سنة، وبها يضرب المثل فيقال: أكبر من عجوز بني إسرائيل، وسنذكرها في الأمثال.


(١) أخرجه ابن حبان في "صحيحه" (٧٢٣)، والثعلبي في عرائسه ١٩٩، والحاكم في المستدرك ٢/ ٥٧١، وابن الجوزي في المنتظم ١/ ٣٤٧، قال ابن كثير في تفسيره للآية (٥٢) من سورة الشعراء: هذا حديث غريب جدًا، والأقرب أنه موقوف والله أعلم.