للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والثالث [حكاه الصُّولي] (١): أن المأمون لمَّا دخل بغدادَ وعليه الخضرة، عزَّ على بني العباس، فاجتمع وجوهُهم إلى بنت سليمانَ بن علي بن عبد اللهِ بن عباس، وكانت في القُعْدُد (٢) مثلَ المنصور، وسألوها أن تدخلَ على المأمون وتسألَه الإضرابَ عن لبس الخُضرة، وعزل من ولَّاه مَن ولد عليٍّ ، وأن يعودَ إلى لُبس السواد، وكان قد عزم على تولية العهدِ لمحمد بن عليِّ بن موسى بعد أبيه، وإنما شغله شغبُ بني العباسِ عليه وولايةُ إبراهيمَ بن المهدي، وأقام ينتظر الفرصةَ في البَيعة لمحمد بنِ علي، فدخلت عليه زينبُ بنت سليمان، فقام لها وأَكرمها واحترمها، فقالت له: يا أميرَ المؤمنين، إنَّك على بِرِّ أهلك من آل أبي طالبٍ والأمرُ في يدك أَقدرُ منك على برِّهم والأمرُ في يد غيرك، فعُدْ إلى شعار آبائك ولا تُطمعنَّ أحدًا فيما كان منك.

فعجب المأمونُ من كلامها وقال: يا عمَّة، ما كلَّمني أحدٌ بكلام هو أوقعُ من كلامكِ في قلبي، ولا أقصد لِمَا أردت، ولكن أنا أحاكم أهلَ بيتي إليك، قالت: وما ذاك؟ قال: ألست تعلمين أن أبا بكرٍ لمَّا ولي الخلافةَ لم يولِّ الخلافةَ أحدًا من بني هاشم؟ قالت: بلى، قال: ثم وَلِي عمرُ فكان على ذلك، ثم ولي عثمانُ فأقبل على أهله من بني عبد شمسٍ فولَّاهم الأمصارَ ولم يولِّ أحدًا من بني هاشم، ثم ولي أميرُ المؤمنين عليٌّ كرَّم الله وجهه فأقبل علي بني هاشم، فولَّى عبدَ الله بنَ عباس البصرة، وعبيدَ الله بنِ عباس اليمن، ومعبدًا مكَّة، وقُثَمًا البحرين، ولم يتركْ أحدًا من بني العباسِ إلا ولَّاه ولاية؟ فكانت [له] هذه في أعناقنا، فكافأتُه في ولده على ما فعل [معنا].

[قال الصولي:] وأنشد المأمونُ لنفسه: [من الطويل]

أُلام على شكر الوصيِّ أبي الحسنِ … وذلك عندي من عجائب ذا الزَّمنْ

ولولاه ما عُدَّت لهاشم إمرةٌ … وكانت على الأيام تُقضى وتُمتهن

فولَّى بني العباسِ ما اختصَّ غيرهمْ … ومَن منه أَولى بالتكرُّم والمِنَن

فأوضح عبدُ الله بالبَصرة الهدى … وفاض عبيدُ الله جُودًا على اليمن


(١) ما بين حاصرتين من (ب).
(٢) في (ب) و (خ): التعدد، والقعدد: القريب الآباء من الجد الأكبر، والبعيد أيضًا، ضد. القاموس المحيط (قعد).