للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يا لهفَ نفسي على مالٍ أُفرِّقه … على المقلِّين من أهل المروءاتِ

إنَّ اعتذاري إلى مَن جاء يسألني … ما ليس عندي لَمِن إحدى المصيبات (١)

[ذِكر قصَّته مع الشيخ التَّيمي:

حكى الحافظ ابنُ عساكرٍ في تاريخه (٢) عن] الربيع بنِ سليمان، عن الشافعيِّ قال (٣): ذهبتُ إلى صنعاءِ اليمن لأسمعَ على عبد الرزاق، فمررتُ بباب دار، وإذا بشيخٍ كبير جالسٍ على الباب يدقُّ خبزًا يابسًا في هاوَن (٤)، فقلت له: ما تصنع؟ قال: أدقُّ قُوتًا لزوجتي، فقلت: إنَّ حقَّها عليك لَواجب، فقال: إي وأبيك، أَقِم عندي ترَ العجب.

قال: وإذا بخمسة مشايخَ بيضِ الرؤوس واللِّحى في صورةٍ واحدة، كأنَّما مسح على رؤوسهم بيدٍ واحدة، وقد أقبلوا فقبَّلوا رأسَ الشيخ وسلَّموا عليه، فقال: اُدخلوا فسلِّموا على أمِّكم، فدخلوا الدار، فقلت: هؤلاء أَولادُك منها؟ قال: نعم، فقلت: بارك اللهُ لك، فلقد رأيتَ قرَّة عين، ثم نهضتُ لأقوم، فقال: أَقم ترَ العجب، فلم يكن بأسرعَ من أن أقبل خمسةُ كهولٍ على صورةٍ واحدة [كأنَّما مسح على رؤوسهم بيدٍ واحدة] (٥) فسلَّموا عليه وقبَّلوا رأسَّه، فقال: اُدخلوا فسلِّموا على أمِّكم، فدخلوا، ثم أقبل خمسةُ رجالٍ سودُ الرؤوس واللِّحى، ففعلوا كذلك، ثم أقبل خمسةٌ مُرْدٌ خُضرُ الشوارب، ففعلوا كذلك، ثم أقبل خمسة صغارٌ على صدورهم المِداد، ففعلوا كذلك.

قال [الربيع بنُ سليمان:] (٦) فهؤلاء خمسةٌ وعشرون ذَكَرًا، ولولا أن الشافعيَّ أخبرنا بهذا ما قبلناه [وصدقناه].

وفي [غير] رواية [ابنِ عساكر] أنَّ الشيخَ أرى الشافعيَّ خمسة في المهود [فصاروا


(١) البيتان في تاريخ دمشق ٦٠/ ٥٢٦، وطبقات الشافعية ١/ ٣٠١.
(٢) ٢/ ٩٥ (مخطوط) ترجمة إسحاق بن يعقوب الكفرسوسي.
(٣) في (خ): وقال الربيع بن سليمان: قال الشافعي.
(٤) الهاون والهاوُون: الذي يُدق فيه الدواء وغيره، فارسيته: هاون. معجم الألفاظ الفارسية المعرَّبة ص ١٥٩، وينظر المصباح المنير (هون)، والمعرَّب للجواليقي ص ٣٩٤.
(٥) ما بين حاصرتين من (ب)، وهو موافق لما في تاريخ دمشق.
(٦) ما بين حاصرتين من (ب)، ووقع في هذا الموضع اضطراب في (خ)، فأثبت ما في (ب).